سامي النصف

قمة القمم وقمة الكويت

يرى اللواء أحمـد عبدالحليم عـضو مجلس الشـورى المصري وأحد الاخـصائيين الاستـراتيجيين القلائل المعـروفين على الساحة العـربية في لقاء له مع الاعلامي جـمال عنايت على قناة «أوربت» أن خطاب صاحب الـسمو الأمير الشـيخ صباح الأحمـد حفظه الله كان الابرز ضمن الخطابات التي ألقيت في اختتام أعمال قمة الرياض قبل الأمس.

لقد أصاب خطاب سموه كبد الحقيـقة حين أشار الى طغيان الخلاف السياسي على الحياة العربية المعاصرة، بل وازدياد جرعة السياسة في حياة المواطن العربي عن حدود المعقـول والمقبـول في المجتمعات المتـقدمـة الاخرى، مع تغليب المصلحـة القطرية على المصلحة القومـية واستفحـال حالة انعدام الثقـة بين دولنا وتنامي ظاهرة التشكيك مما أعاق العمل العربي المشترك وأفقده مصداقيته.

وقد كان رائعا وعقلانيا مـقترح سموه عقد قمم اقتصادية عربيـة يبتعد القادة بها عن قضايا السيـاسة المفرقة ويتجهـون لقضايا الاقتصاد والمصالح المـوحدة التي يشعر بأثرها مباشـرة المواطن العربي بدلا من الكلام السياسي المتصاعـد في الهواء، وقد وددنا أن تكون دولة الكويت، وحلمهـا الاقتصادي الكبيـر، هي صاحبة الاستـضافة الاولى لمثل تلك القمة الاقـتصادية، على أن تتبـعها قمة للتـعليم وقمة للصحـة وللبيئة ولتـشجيع السياحـة والاستثمار. . إلخ على أن تكون تلك القمم إمـا قبل أشهر من القمم السـياسية أو بالتناوب معها.

وتحول اسـتراتيجي كهـذا للقمم العربيـة يحتاج من القـادة العرب الى النظر في طبيعة منصب مهم يتسبب من يتقلده إمـا بنجاح القمم أو إخفاقها، ونعني منصب الامين العام للجـامعة العربيـة وهل هناك حاجة لأن يكون ذا خلفـية سياسـية ومن ثم تطغى آراؤه السيـاسيـة الثورية أحيـانا على أجندات تلك القمم مـقابل أن يتـسنم مقـاليد ذلك المنصب العام مـستقـبلا شخـصيات اقتـصادية عربيـة كعبـد اللطيف الحمد أو علمـية كالدكتور أحمد زويل وغيرهما؟ ويشهد التاريخ المعاصر توقف العمل الاوروبي المشـترك في الثلاثينيات وما قبلها عندما كانت الـتخندقات «السياسـية» والحروب تملأ أجواء أوروبا، ثم تغـير الحال الى الافضل عندما انشـئت منظومة السوق الاوروبية «الاقـتصادية» المشتـركة التي نجحت فيـما بعـد بتحقـيق الوحدة السـياسيـة الاوروبية ومنع الحـروب وترسيخ التـعاون الاقتصادي وإقرار العملة الواحدة في أوروبا، لذا نرجو أن تكون قمة الكويت الاقتصادية ـ متى ما تمت ـ الخطوة الاولى الكبيـرة في مشوار الوحدة العربية الواقعيـة والعقلانية التي تحفظ لكل دولة خصوصيتها وتسقط احلام الطغاة والثوريات التوسعية.

وقد كان جـميلا أن تتصدر بيـان الرياض قضايا غير سـياسية كتـحصين الهوية العربية وتطوير التعليم وتفعيل العمل العربي المشـترك ونشر ثقافة الاعتدال والتسامح والحوار والانفتـاح ورفض كل اشكال الغلو والتطرف والارهاب (رسالة لبعض كـتابنا وسيـاسيينا) وترسـيخ مبادئ التضـامن العربي والتي احـتلت المراتب الخمس الأولى للبيان، ثم أتت في المرتبة السادسة عمليـة السلام في المنطقة والسابعة والاخيرة خلوها من أسلحة الدمار الشامل.

لقد وفقت قمة القمم العربية التي انعقدت في الرياض في اسقاط الحائط والحاجز الوهمي الفاصل بين العـروبة والاسلام الذي خلقتـه الثوريات العربية. عـبر استضـافة قادة الدول الاسلامية الكبرى واعطائهم صفة مراقب للاجتماعات العربية.

قمة الرياض والقـمة الاقتصادية المرتقـبة هما ركيزتان أقـرب لسكتي حديد جديدتين للعمل العربي المشترك ستدفعانه سريعا للأمام.