سامي النصف

مهياوة رومانية وقضية قذافية

الجزائر التي اسسها الفينيقيون ويعني اسمها «جزر النوارس» هي بلد جميل جدا وفيه كل مقومات السياحة الناجحة من شعب مضياف وسواحل زرقاء وواحات بيضاء وجبال خضراء ومعها آثار وتاريخ حافل مما يؤهلها لأن تصبح محجا للسياحة والاستثمار، وقد ضاعفت في المدة الاخيرة شركات الطيران العالمية والخليجية من عدد رحلاتها للجزائر مع ازدياد اعداد السائحين القادمين من شرق آسيا واوروبا والخليج.

اتجهنا بالامس لزيارة احد بيوت حي القصبة الشهير، والبيت لا يختلف كثيرا عن البيوت الكويتية القديمة وان كان يشتمل على «بئر» و«جب» احدهما لما يستخرج من الاعماق والثاني لما يتجمع من مياه الامطار ولكل منهما استخدامه الخاص وان جمعهما تبطينهما بصدف البحر لإبقاء الماء نظيفا وباردا، وقد ساعد تكوين البيوت والتصاق بعضها بالبعض على سرعة وسرية انتقال الثوار ومن ثم الانتصار في معركة الجزائر الخالدة التي تغنى بها ادباء الكويت ممن استشهد امين رابطة الادباء الفاضل عبدالله خلف بشعرهم في محاضرته القيمة.

وقد اصطحبنا مضيفنا عالم الآثار د. علي الخالصي لمدينة «تاباز» الاثرية الشهيرة والتي تم تشييدها في القرن الثاني الميلادي وكان شعارها «السلام والوئام» وهو الشعار الذي استخدمه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لتهدئة الاوضاع واطفاء نيران الفتنة في الجزائر وقد تكلل الجهد بالنجاح حيث عادت نعمة الامن للبلد ولم تعد الناس تخشى الخروج من منازلها بعد الساعة السادسة مساء كما كان الحال ابان حقبة التسعينيات.

وقد وجدنا ان انظمة تلك المدينة القديمة تصلح لتنظيم اي مدينة حديثة، فالبيوت مصممة بشكل منفصل وبطريقة فنية تمنع حجب الشمس أو رؤية الماء كونها تطل على البحر او السماء، كما صفت الدكاكين ومحلات البيع في ذلك الزمن السحيق بحيث تمنع التجاوز او الاستيلاء على الاراضي العامة، وضمن تلك المدينة انظمة لحماية البيئة والسواحل من التلوث عبر ترشيح وتنقية الصرف الصحي قبل وصول مياه المجاري للبحر. ولنواب مجلس الشيوخ الروماني بيوت فاخرة مطلة على البحر مكونة من طابقين وبمساحة 1200 متر لكل منها ولا يحصل النائب آنذاك على ثقة الشعب الا بعد ان يصرف الاموال على المحتاجين وبناء المعابد والمسارح والحمامات العامة، كما اختص جزء من المدينة بتجفيف السمك الصغير «الغاروم» وهو ما يطابق تصنيع «المهياوة» بالخليج والذي لا يستغني عنه سكان تلك المدينة، ولا يعلم ان كان لذلك الامر علاقة باندثار المدينة فيما بعد!

في المساء دعتنا وزيرة الثقافة د. خليدة كومي لمشاهدة الفنون والشعر الشعبي لولايتي سعيدة وام البواقي وقد كان الغناء والرقص ومفردات الشعر شبيهة الى حد كبير بفنون الصحراء الكويتية وقد شاركت الوزيرة الفاضلة المحتفين بالتصفيق والزغاريد مما زاد من حماس الجمهور فبادلوا الوزيرة والوفد الكويتي التحية بأحسن منها عبر التسابق لاظهار جمال رقصهم الشعبي، ولو عندنا لحدث استجواب على طول!

توجهنا من هناك الى مسرح آخر امتلأ بالجمهور تم خلاله عرض المسرحية الكويتية «الاسم امرأة» التي تروي قصة الصراع الازلي بين الرجل والمرأة وقد كان العرض مميزا وحاز رضى الجمهور والنقاد وعلى رأسهم الدكتورة المختصة نرمين الحوطي وهو ما اعاد لاذهان الصديق محمد المنصور ذكريات النجاح الباهر لمسرحيتهم «شياطين ليلة الجمعة» عندما عرضت في المغرب الشقيق في نفس اليوم الذي انتصر فيه فريقنا الكروي على الفريق المغربي فقال مضيفهم آنذاك «لقد غلبتمونا نهارا في الرياضة وليلا في فنون المسرح»، كانت للكويت ايام باهرة في الماضي.

آخر محطة:
اقام الرئيس معمر القذافي دعوى قضائية ضد جريدة «الشروق» الجزائرية صدر على اثرها حكم بسجن رئيس التحرير والكاتبة 6 اشهر مع النفاذ وتعطيل الجريدة لمدة شهرين ومعها غرامة 600 الف دينار وقد التقيت ابان العرض المسرحي مرة اخرى الدكتور المثقف محي الدين عميمور الذي رافقته هذه المرة ابنته المحامية منى التي اكتشفت انها من كسب تلك الدعوى القضائية، للمعلومة د.عميمور عروبي التوجه ويظهر مشاعر حميمية نحو الكويت كما يحتفظ بصداقات عديدة مع رجالاتها ومثقفيها.