سامي النصف

بين الثورتين المصرية والإيرانية

كتبت في يناير 1980 وضمن بداياتي الاولى في زاويتي المسماة آنذاك «من فوق السحاب» مقالا كان بنفس عنوان اليوم حذرت فيه من عدم اتعاظ ايران الجارة المسلمة من مصر الشقيقة العربية التي اعطت لنفسها حق تصدير ثورتها في الخمسينيات والستينيات ومن ثم التدخل في شؤون الدول الاخرى، ولم يسقط مبدأ تصدير الثورة حتى تورطت مصر في حروب ونكسات ونكبات ومن ثم كان الخوف ان تسير الثورة الايرانية الناشئة آنذاك في ذلك المسار المدمر، ولم تمر اشهر قليلة على ذلك المقال حتى ابتدأت شرارة الحرب العراقية ـ الايرانية التي انتهت بما يعرفه الجميع والتي تسببت بتوجيه موارد المنطقة الناضبة للحروب والتدمير بدلا من التنمية والتعمير.

لقد اتخذت الثورة المصرية في الخمسينيات والستينيات ذرائع عدة وشعارات مدغدغة كمحاربة اسرائيل واميركا للدخول لساحات الدول العربية الخلفية وخلق الفوضى فيها واسقاط انظمتها المحافظة، وقد كشف البرنامج الوثائقي «ارشيفهم تاريخنا» الذي بث الجمعة ليلا على قناة الجزيرة ان القيادة الاميركية آنذاك كانت سعيدة بتساقط الانظمة الملكية من قبل الانظمة الثورية ولا يختلف اثنان الآن على مقدار الدمار اللاحق الذي حدث لعواصم الحضارة العربية بعد تغير انظمتها المحافظة.

امر كهذا نشهد مثيلا مطابقا له هذه الايام عبر التدخل القائم من الثورة الايرانية في العراق ولبنان وفلسطين وغيرها بنفس حجة محاربة اميركا واسرائيل، ما ادى مرة اخرى للمصائب والازمات المدمرة في تلك البلدان، ولا اعلم حقيقة كيف يتحدث «البعض» عن تورط اميركا في العراق وهي القادرة على سحب قواتها في اي لحظة دون اضرار عليها، وهي التي لم تزد خسائرها في الجنود خلال اربع سنوات عن خسائر حوادث طرق خلال اسبوع واحد، ولا يتحدث احد عن كم الدمار الماحق الذي اصيب به العراق او لبنان او فلسطين بسبب تلك التدخلات المدمرة في شؤونها الداخلية.

وأحد غرائب الامور هذه الايام ان العرب والمسلمين بدياناتهم وطوائفهم وعناصرهم المختلفة يتعايشون كإخوة واحبة في دول العالم المختلفة كأوروبا واميركا وغيرهما، بينما نرى ونشهد المذابح والاحتقانات بين نفس الطوائف والديانات في منطقتنا العربية دون غيرها، ومما يزيد النار اشتعالا الدور المريب لبعض الفضائيات المحرضة ومعها الكميات المهولة للسلاح والمواد المتفجرة في منطقة لا تصنع رغم كل ما يقال حتى ابرة خياطة واحدة.

لقد أنزلت خارطة المنطقة العربية والاسلامية الكبيرة المعلقة على حائط مكتبتي ووضعت على كل بلد منها شمعة صغيرة او كبيرة حسب حجم البلد المعني، ثم اشعلت الشموع في البلدان المتأزمة حاليا كالسودان والصومال والعراق ولبنان وفلسطين، وبعد لحظة تأمل بدأت بإشعال شموع الدول المقدمة سريعا على ازمات وحروب طاحنة مع المجتمع الدولي او ضمن الداخل او المحيط الجغرافي، فتلألأت الخارطة وزاد تأكدي ان المنطقة مقدمة على فوضى عارمة وعمليات احتراق كبيرة، وقانا الله شر تلك الفتن التي اصبح البعض منا يروج لها في الداخل والخارج بقصد او بدونه.

آخر محطة:
سواء كان التثوير والشعارات المخادعة كمحاربة الاستعمار واميركا تتم تحت رايات القومية كما حدث بالأمس او تحت رايات التأسلم كما يحدث اليوم، فإن الهدف الحقيقي واحد وهو الوصول للسلطة في البلدان المختلفة ولا شيء غير ذلك.