القاعدة العامة تقول ان الفرد ضعيف بذاته قوي بتجمعه مع الآخرين، ويقال عادة ان العرب هم شواذ هذه القاعدة، حيث تلحظ قوتهم كأفراد وضعفهم عندما يجتمعون، وقد يكون هذا القول صادقا كذلك مع كثير من حكوماتنا المتعاقبة، حيث نلحظ قوة وزرائها كأفراد مع ضعف عام للحكومات بسبب تنافر الوزراء بدلا من توحدهم وتضامنهم ودفاع بعضهم عن البعض.
وهذا التنافر للاسف الشديد هو احدى خصائص المجتمع الكويتي المعاصر بشكل عام، وليس الوزراء فقط، فلا تجد قطاعا مهنيا او نقابيا او ثقافيا او فكريا او اعلاميا او اقتصاديا او رياضيا او فنيا الا ويدب الخلاف الشديد بين افراده القلائل دون اسباب او مبررات عقلية او منطقية، وعادة ما يتصاعد الخلاف حتى يصل الى المستوى الشمشوني القائل «علي وعلى اعدائي يا رب»، ثم يتم بعد ذلك تدمير المعبد او البلد.
وضمن تلك الخلافات التاريخية المستديمة بين الوزراء او الخفراء او ما بينهم يكثر استخدام النهج الميكافيللي القائل ان «الغاية تبرر الوسيلة»، فلا مانع من وضع الفخاخ والمصائد والحفر والاستجوابات والاشاعات والتسريبات الاعلامية للنيل من الخصوم، كما تستحضر عادة روح الغائب «غوبلز» او الهارب «الصحاف» للكذب والمزيد منه لتشويه صورة الاعداء الذين هم بالطبع زملاء العمل او المهنة ـ او حتى الاقارب ـ واللجوء لسياسة الارض المحروقة الضارة بالذات قبل الاضرار بالآخرين، ولو وجدت اسلحة دمار شامل حقيقية لما تأخرت بعض العقليات الشريرة بالبلد في استخدامها ضمن مجتمع الكراهية الذي نعيشه.
لقد مل الناس حتى النخاع من تحميل علاقة يفترض بها الرقي والسمو وابتكار الاعراف الخيرة الباقية، كعلاقة الوزراء ـ الوزراء والوزراء ـ النواب والنواب ـ النواب بهذا الكم الهائل من الكراهية والعداء الشخصي في نهج لا مثيل ولا قريب له في العمل السياسي الممارس في دول اكبر منا عددا واكثر منا تقدما، والذي يتحول لدينا من مشاكل بين الافراد الى ازمات سياسية طاحنة تشغل البلد عن قضاياه الحقيقية وتبعد انظاره عن المتغيرات الجيواستراتيجية المحيطة المهمة التي تجري حولنا.
ان ما نراه من سخونات سياسية متكررة واستجوابات كيدية «ماسخة» هو في الاغلب جهود ضائعة لتصفية عداءات لا تنتهي ولكسب مكافآت شخصية كالحصول على المصالح الذاتية وترقية الاقارب والمعارف على حساب الكفاءات الكويتية الاخرى، وذلك ممن يرفعون رايات الوطنية والتدين والحفاظ على المصلحة العامة، وهم في الواقع وكما تظهر الوقائع والحقائق يهرولون ويتسابقون مع الايام لحصد المكاسب والمال الحرام من خلف ظهور ناخبيهم المخدوعين بهم كي يستغنوا من الصفقات كما استغنى من اتى قبلهم.
وأحد المفاهيم الخاطئة والضارة التي ساهمت بعض الممارسات والسياسات الحكومية في السابق بتثبيتها هو ان من يحسب على الحكومة هو بالضرورة من السراق والمسترزقين ومن يحسب على المعارضة هو بالقطع من الاطهار والانقياء والصالحين، والواقع يكذب في كثير من الاحيان تلك المقولة الواهمة، فكم من رجل من رجالات العمل الحكومي من وزراء ووكلاء وغيرهم خرجوا من اعمالهم وثيابهم بيضاء كيد موسى ( عليه السلام )، وكم من اسماء ورموز للمعارضة اكتنزت واستولت على الملايين كما يعلم الجميع، فالقضية في النهاية هي بالمبادئ والقيم التي يؤمن الفرد بها لا بالرايات التي ترفع او بالتعميم الذي قد يدين البريء او بالمقابل يبرئ المدان.