سامي النصف

انقسام الأمة بين سعد وعدلي

بعد الحرب الكونية الأولى وانتهاء انتخابات مجلس الأمة المصري تم تعيين نائبين لرئيس المجلس أحدهما من المنتخبين هو سعد زغلول باشا والثاني من المعينين وهو عدلي يكن باشا، وقد بدأ الخلاف بين الاثنين عندما طرح أحد الصحافيين القائمين على تغطية أنشطة البرلمان الجديد سؤالا عمن تحق له الرئاسة في حال تغيب رئيس البرلمان فأصر سعد زغلول على حقه في ذلك كونه منتخبا، والحال كذلك مع عدلي يكن الذي أصر على الشيء نفسه.

وقبل الحديث عن انقسام الأمة المصرية لسعديين وعدليين يوضح أحمد بهاء الدين أن هناك فارقا بين تنشئة الاثنين، فسعد زغلول ابن عائلة متوسطة الحال اشتغل بالمحاماة عندما كانت مهنة طاردة، ثم عين قاضيا إرضاء لأخيه أحمد زغلول، أحد قضاة محاكم دنشواي الشهيرة التي حكمت بالإعدام على الفلاحين، ثم أصبح وزيرا وتزوج صفية ابنة مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء حليف الإنجليز الذي بقي في الحكم بدعمهم 13 عاما متتالية، كما كان جليسا دائما في دار الأميرة نازلي حليفة الإنجليز، وبذا كان معتدلا في مطلع حياته ومتشددا بالمعارضة والعمل الوطني بعد ان تجاوز سن الثالثة والستين، بعكس ما جرت عليه العادة من التشدد في مقتبل العمر والاعتدال عند الكبر.

بالمقابل كان عدلي يكن باشا ذا توجه وطني خالص ومن عائلة شديدة الثراء ذات أصول تركية انضم للحزب الوطني ثم حزب الأمة ثم أسس حزب الأحرار الدستوريين الذي كان حزب المثقفين في مصر، وقد كان عدلي يكن شديد الحيلة كثير الواقعية مؤمنا بالمرونة لتحقيق الأهداف، بعكس سعد زغلول الذي اتهمه يكن في أكثر من مقال بأنه يداعب مشاعر العامة ويستخدم شعارات مدغدغة تضر أكثر مما تنفع لعدم واقعيتها مثل رفع شعار «الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، في وقت يسرّ فيه زغلول لخاصته بأنه يرضى من الإنجليز بأقل كثيرا مما يطالب به عدلي، كما اعتاد سعد زغلول على إطلاق المصطلحات الجارحة بحق خصومه كتسميته حلفاء عدلي بـ «برادع الإنجليز» وقوله ان تفاوضهم مع الملك جورج الخامس يعني ان الملك جورج يفاوض نفسه!

وقد تفاقمت الخلافات بينهم والتي انقسم الشعب حولها الى سعديين وعدليين حين أصر سعد زغلول على ان يرأس الوفد المتجه الى لندن لمفاوضة الإنجليز رغم وجود عدلي يكن فيه كرئيس للوزراء الذي رفض ذلك الأمر لعدم منطقيته واتجه الى لندن عام 1921 واستطاع بواقعيته ومرونته ان يحصل من الإنجليز على ما لم يحصل عليه وفد سعد زغلول عام 1919، ففي 28 فبراير عام 1922 أعلنت انجلترا انتهاء الحماية والاعتراف بمصر دولة مستقلة ونودي بفؤاد ملكا كما تألفت لجنة لوضع دستور دائم للبلاد.

وقد استمر صراع العدليين مع السعديين أو صراع الاعتماد على البراغماتية والواقعية للوصول للأهداف مقابل الاعتماد على نهج الشعبوية حتى انصرف كل من عدلي وسعد بعد عام 1924 بعيدا عن السياسة، فقد اتجه الأول للإقامة في لندن والتجول في أوروبا بينما اتجه الثاني لقريته «مسجد وصيف» حتى أدركه الموت فيها وقال كلمته الشهيرة «مفيش فايدة» ويقول آخرون ان آخر كلمة قالها هي «خلاص أنا انتهيت».

استمر حزب يكن (الأحرار الدستوريون) برئاسة د.محمد حسين هيكل وبدأت الانقسامات في حزب الوفد مع وفاة مؤسسه، حيث حاولت صفية زغلول والحرس القديم قيادته فتصدى لهم شباب الحزب أمثال مصطفى النحاس ومكرم عبيد وانتزعوا القيادة منهم واستمرت الاجتماعات تعقد في «بيت الأمة» حتى انقسم الشباب كذلك فأسس النقراشي وأحمد وعلي ماهر وابراهيم عبدالهادي حزب السعديين، ثم انفصل مكرم عبيد وأسس الكتلة الوفدية.

آخر محطة:
لبيت الأمة الذي زرته في زيارتي الأخيرة لمصر قصة يرويها سعد زغلول في الجزء السابع من مذكراته، حيث طلب بحدته المعروفة من اثنين ان يوقعا على عريضة قبل قراءتها فرفضا، فطردهما من بيته، فرفضا الخروج وقالا له بحدة مماثلة: ان هذا ليس بيتك بل «بيت الأمة»، فبقيت تلك التسمية التي أطلقها على البيت خصوم سعد.