تنبع النظريات السياسية والايدولوجية من حاجيات الشعوب وما تقاسيه في حياتها اليومية، وقد بات واضحا ان امتهان «الانسان» هو الإشكال الاول في منطقتنا العربية فقد ارتقى الغرب بنظام الاقتصاد الحر الذي تحول لدينا الى الرأسمالية المتوحشة واقطاع السياط التي تلهب ظهور البشر، كما تقدمت الصين بالماركسية التي كان مقدمها الى منطقتنا مصاحبا بحبال السحل ومشانق اعمدة النور، كما تطورت الهند بالاشتراكية التي رافق تطبيقها لدينا زوار الفجر وجنرالات الهزائم العسكرية المهينة، كما ان الدولة الدينية التي يفترض ان تكون الاكثر رأفة بالإنسان كانت في محيطنا الاكثر قسوة وامتهانا له كما رأينا في افغانستان وايران وسودان بيوت الاشباح.
مع انتهاء حرب 67 ابتدأت في المنطقة المحيطة بنا عشر سنوات عجاف فقد تلتها حرب الاستنزاف التي ما ان توقفت عام 70 حتى اشتعلت حرب الاردن في نفس العام كما قامت في عام 71 الحرب الباكستانية ـ الهندية، وفي العام 72 احتلت ايران الجزر الاماراتية، وفي العام 73 حرب اكتوبر وفي عام 74 انشطرت جزيرة قبرص بعد حربها الاهلية الى دولتين، كما ابتدأت في ربيع 75 الحرب الاهلية اللبنانية رغم وفرة التحذيرات من حدوثها، كما امتلأت شوارع العواصم العربية في نفس الحقبة العصيبة بدماء الشعوب كنتيجة لما لا يقل عن 7 انقلابات عسكرية قامت في المنطقة واستمرت معها الحرب الاهلية العراقية بين العرب والاكراد.
مع بدء الحرب الاهلية اللبنانية وتحديدا في 23/5/75 تشكلت اول حكومة عسكرية في تاريخ لبنان برئاسة العميد نور الدين الرفاعي بقصد فرض الاحكام العرفية وانزال الجيش لوقف الحرب ونزع اسلحة الميليشيات وقد قوبلت تلك الحكومة بالرفض القاطع لها لعدم دستوريتها مما جعلها تستقيل بعد 3 ايام، وقد تكرر الامر في 11/3/76 عندما اعلن العميد الركن عزيز الاحدب قيامه بانقلاب ابيض وتشكيل حكومة عسكرية واعلان حالة الطوارئ في البلاد لوقف الحرب إلا ان القوى اليمينية ممثلة بالرئيس كميل شمعون وبيار الجميل ومثلها القوى اليسارية ممثلة بالرئيس رشيد كرامي وكمال جنبلاط اعلنت رفضها لتلك الحكومة كونها لا تتماشى مع الحكم الديموقراطي في لبنان وقد استمرت الحرب لمدة 15 عاما اخرى كنتيجة لذلك الموقف الذي قدم المواقف الايدولوجية على مبدأ الحفاظ على انسانية الانسان اللبناني وكان اول ضحايا الحرب من اتخذ تلك المواقف التي اثبت التاريخ خطأها.
في كتاب للباحث اللبناني د.شفيق الريس اصدره عام 78 عن حرب لبنان 75 ـ 76 تحدث في فصله السادس (ص316) عما اسماه احداث الكويت، حيث يقول: ان بعض الساسة والمراقبين لاحظوا ان هناك تعيينات ديبلوماسية في الكويت احضرت لها بعض من كانوا في عواصم اقليمية تم حرقها بالخروقات الامنية والحروب الاهلية لذا ابرق للقيادة الكويتية لتحذيرها بالقول «سيحدث لكم في الكويت ما يحدث الآن في لبنان» وقال: ان القيادة السياسية الكويتية تجاوبت سريعا مع ذلك التحذير الجاد عبر اجراءات حاسمة سريعة يثني عليها الباحث ويرى انها ساعدت على منع كرة النار من الانتقال للكويت، وتمنى لو ان لبنان ارتضى مثل تلك الاجراءات لوقف الحرب المدمرة خاصة ان السجون لم تفتح والمعتقلات لم تملأ بالسياسيين في الكويت نتيجة لذلك الاجراء الاحترازي الذي تمت العودة عنه بعد سنوات قليلة بعد ان تمت المحافظة على كرامة وانسانية الانسان الكويتي بعيدا عن عمليات التناحر والتخندق التي يمكن ان تنتهي كما حدث في لبنان والعراق في وقت لاحق بعمليات القتل والذبح على الهوية.