أراضي الكويت أغلى من الذهب، حتى ان البعض يعتقد أن حبات ترابها هي خليط من اللؤلؤ والالماس لتبرير ذلك الغلاء الفاحش، وعليه لا يستطيع أي تاجر شراء أرض مترامية الاطراف ليقيم عليها المشاريع الضخمة لعدم الجدوى الاقتصادية لذلك الأمر، ومن ذلك كانت فكرة B.O.T الرائعة التي تزاوج بين مصالح الدولة التي تقدم الاراضي القاحلة مقابل ايجار مالي وعودة المباني لها بعد حين، والمستثمر الذي يخلق بأفكاره وأمواله ومتابعته المشاريع المختلفة، والمواطن المستفيد الاول من تلك المشاريع التنموية المهمة التي يعمل بها آلاف الناس ويزورها الملايين.
وقد أمضيت اجازة العيد متنقلا ومتجولا بين مشاريع الـ B.O.T المختلفة من الخيمة مول شمالا حتى سوق الكوت جنوبا مرورا بأسواق شرق والسالمية والمارينا وافنيو وماجيك وغيرها، وقد وجدت أن تلك المشاريع هي الانجاز التنموي الوحيد في البلد خلال العقد ونصف العقد الماضيين.
ويقول لي زميل اعلامي يقطن الجهراء منذ 40 عاما ان الخيمة مول والاسواق التي داخله هي المشروع الوحيد الذي أفاد المنطقة، ومثل ذلك ما استمعت له من أصدقاء التقيتهم في الفحيحيل، والحقيقة ان ما يجب أن يحاسب عليه القائمون على تلك المشاريع من قبل الاخوة النواب الافاضل، بل وحتى المواطنين هو ما اذا كانوا قد «استرخصوا» العمل فيها كونها سترجع في النهاية للدولة، والحقيقة الجلية التي توجب رفع العقال تحية لهم جميعا هي كم الصرف والبذخ على تلك المشاريع الحيوية التي قل أن تجد لها مثيلا في أغلب دول العالم.
ان التساؤل المحق الهادف للصالح العام هو: ما البديل لمشاريع B.O.T ما دمنا قد علمنا أنه لا يوجد مشروع اقتصادي يوفي بحق شراء الأرض ناهيك عن تكاليف البناء الفاخر؟!
أرجو ألا يقترح أحد أن تقوم الحكومة ببناء الاسواق والمتنزهات والحدائق الترفيهية وتملكها وادارتها، أي التوجه لما نكصت عنه الصين الشيوعية وما عادت عنه الشقيقة الكبرى مصر التي اكتشفت أن الحكومة لا تستطيع ادارة وتشغيل أسواق عمر أفندي وشيكوريل المصادرة من القطاع الخاص.
ان النهج الأمثل للتعامل مع مشاريع B.O.T الاقتصادية هو عبر النظر لها من الزاوية الاقتصادية البحتة ومن ثم شكر من أجزل الصرف المالي عليها والجلوس معه لمعرفة أسباب المشاكل والمخالفات، فتغيير الاستخدام قد يكون بسبب عدم واقعية مطالب املاك الدولة أو البلدية كأن يطلب من المستثمر أن يخصص كامل المساحة لنشاط ما تثبت المعايشة وحاجة المواطنين والمقيمين والمعادلة الاقتصادية الصحيحة ضرورة العدول عنه، ومن ثم لا ضرر ولا ضرار من تغيير الاستخدام لما يخدم السكان طالما لم يزرع بالممنوعات أو تسخر مساحته لإنشاء حمامات سباحة لعائلة المستثمر، وكله سيرجع في النهاية للوطن والمواطنين.
في الخلاصة: لم تخطئ الحكومة على الاطلاق بتأجير الاراضي العامة للمستثمرين ممن خاطروا بأموالهم ومازالوا ـ رغم كل ما يقال ـ لمصلحة الكويت وشعبها في وقت أحجم فيه آخرون خوفا من المجازفة، بل ان بيت التمويل ـ إن أسعفتني الذاكرة ـ قد أعطي أرض المارينا في السالمية قلب البلد التجاري وعلى البحر مباشرة فأرجعها للحكومة خوفا من خسارة المشروع.
وتبقى معرفة حقيقة ان أراضي الشعب قد وضعت لخدمة الشعب عبر المشاريع التنموية الضخمة التي تقام عليها، لا أن تترك خالية تلعب على أرضها الفئران وينعق فوقها البوم، وتلك الاراضي لم يفرط بها احد كونها كانت ومازالت ملكا للدولة والناس، ولن يخرجها أحد معه من المطار.
آخر محطة:
هل سيسمى ضحايا الحرب الشرسة القائمة بين شهداء الاقصى (فتح) وشهداء عز الدين القسام (حماس) بـ .. الشهداء؟!