سامي النصف

توسطوا تصحوا

وسط الاجواء الملتهبة القائمة في المنطقة لم يعد مفهوم وثقافة الوسطية اختيارا نأخذ به او لا نأخذ، فإن امن الوطن والسلام الاجتماعي بين شرائح المجتمع المختلفة والوان طيفه السياسي القائمة يستوجب الاخذ بالوسطية كمنهج حياة وصمام امان لا غنى للأمة عنه.

وقد وجدت عبر اطلاعي على الاوراق المقدمة للمؤتمرات التي عقدت للوسطية انها لم تلق هوى لدى شيوخ وكتاب التطرف وهو مؤشر جيد فأحدهم وهو شيخ دين ومنظر كبير يسأل المؤتمرين ـ وبسذاجة بالغة ـ عن تعريف الوسطية ومعناها؟!

ولم يقل لنا كيف له ان يفسر الآيات البينات ويشرح الاحاديث الشريفة للأغرار الصغار والرجال الكبار وهو لا يفهم معنى الآية الكريمة (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) والحديث النبوي «خير الأمور اواسطها».

كما تساءل كاتب ـ متشدد معروف ـ عن معنى الوسطية وتطبيقاتها وهل يفترض برجل معروف بالاصلاح ومكارم الاخلاق ان يترك تلك المكارم الى امر وسط، فيصبح يوما ذا خلق ويوما دون خلق حتى يحقق الوسطية؟!
 
والحقيقة ان هذا النوع من اللغو والجدل غير البناء سمعنا كثيرا بمثله في حقب مكافحة الارهاب الذي يعرفه العالم اجمع عدا شيوخ وكتاب التطرف لدينا، الذين يدمرون ويخربون كل لقاء لمكافحته بطلب تعريفه وهل الارهاب طائر أم سمكة ام هو احد انواع الحلويات؟!

ان الوسطية تعني القبول بالرأي والرأي الاخر وهو شرط ملزم لها كشرط الوضوء او التيمم للصلاة، فالوسطية تستهدف الخروج من مواقع التخندق والرأي الواحد المغلق الى فضاء التعددية الفسيح الذي يقبل بمجاورة القريب والغريب.

ومما لا منطق فيه ان تصل المناكفة السياسية والفكرية الى حد ان نختلف حول ما لا يجوز الاختلاف حوله اي الايمان بالوسطية كنهج حياة وكطرف نقيض للتطرف واحادية الرأي اللذين يوصلان عادة للقتل وقطع الرقاب وانشطار الاوطان والمجتمعات.

ان تبني تيار سياسي ما منهاجية الوسطية لا يعني اطلاقا ان على التوجه السياسي الاخر ان يخالفها ويسفهها امام النشء ممن نود ان يتشربوا ـ حتى النخاع ـ هذا التوجه الخير، ان نقد الممارسة يجب الا يمتد لنقد الثقافة ذاتها والواجب ان نلتف جميعا حول الوسطية لا ان نختلف حولها.
 
ان في الوسطية الروشتة الناجعة لامراض العراق ولبنان وفلسطين وحتى المجتمعات الاخرى التي تفتك بها وتسفك دماء ابنائها التخندقات المختلفة، وفي الوسطية حل كذلك للاشكالات السياسية الكويتية كما انها ستشفي العلاقات الوظيفية المريضة المتفشية في دهاليز الدوائر الحكومية، والحال كذلك ضمن جدران الحياة الزوجية وستقلل بالقطع من حالات الطلاق والتشرد التي قاربت ان تصبح وباء.

اخر محطة:
تعقيبا على ما كتب بالأمس لا تضير الصديق والزميل جابر الهاجري عزوبيته التي لن نستغرب ان يكسرها قريبا ومع بداية العام الجديد «بالزوز»، على قول اخوتنا المغاربة، ومبروك سلفا!