سامي النصف

جهود تستحق الدعم لا التخذيل

الكويت ليست نفطا، الكويت قبل ذلك هي انسان وعطاء وثقافة وعلم، وقد حضرت الاسبوع الماضي في مدينة فاس حفل تقدير وتوقير للثقافة الكويتية عكسهما التكريم الحافل لعبدالعزيز البابطين وتقليده شهادة الدكتوراه الفخرية، وقد القيت ضمن الحفل وخلال ايام المهرجان الثلاثة كلمات معبرة تشيد بالكويت كإحدى عواصم الثقافة العربية المعاصرة وتظهر ان الجهد الذي يقوم به احد ابنائها للحفاظ على التراث والثقافة لا مثيل له في التاريخ العربي القديم او الحديث وهو ما اطال رقابنا ككويتيين وجعلنا نشعر بالفخر والزهو.

واذا كنا قد انتقدنا في السابق من يؤمن بمبدأ «الديموقراطية لأجل الديموقراطية» و«الحرية لأجل الحرية» على وزن مبدأ «الفن لأجل الفن» الساقط، فاننا ننتقد اليوم من يؤمن مخطئا بمبدأ «الارض لأجل الارض» اي فلتبق الاراضي العامة قاحلة صفراء على ان يبنى عليها ما يعزز دور الكويت الثقافي والاجتماعي والحضاري او الاقتصادي او الديني،الخ.

وللعلم فقط فالارض المواجهة لوزارة الخارجية ليست ملكا لعبدالعزيز البابطين بل مؤجرة من الدولة لعشرين عاما وقد تحولت في زمن قياسي من ارض جرداء تكب عليها الاوساخ وتلعب فوقها الفئران الى مكتبة ومنارة للثقافة والشعر العربي يحج إليها الباحثون والدارسون من اساتذة وطلبة ويثني عليها وعلى البلد الذي رعاها الملايين من العرب والمسلمين ولو دفعنا خزائن الارض لما حصلنا على مثل هذا الثناء.

لقد بنى تلك المنارة، التي يغطى شعاعها المساحة الممتدة من المغرب غربا الى كازاخستان شرقا مرورا بكل عواصمنا العربية وحتى الاجنبية كمدريد وباريس، الاخ عبدالعزيز البابطين في وقت مازلنا ننتظر ومنذ عقود من الزمن اكمال مشروع المكتبة الوطنية، وقد كان من السهولة بمكان على ابوسعود ان يوفر ما بذله على المكتبة ويوجهه، وهو رجل الاعمال الناجح، للمشاريع التجارية التي تدر عليه الاموال الوفيرة.
 
ومثل ذلك حقيقة ان مشروع الوقف القائم في شرق ليس ملكا للبابطين، رغم انه يبنيه كذلك من حر ماله لاكمال المسيرة الثقافية التي ترسخ ـ ومعها بالطبع كل الجهود الحكومية والاهلية الاخرى ـ موقع الكويت الثابت تحت الشمس، بل هو ملك خالص لوزارة الاوقاف لا يحق لاحد ان يحركه او يستفيد منه، ان تلك الاراضي لم تسخر لخدمة شخص بذاته بل سخرت بأجلّ صورها لخدمة الكويت ومواطنيها.

يتبقى مشروع النصب التذكاري وحقيقته ان هناك ارضا مخصصة لانشاء حديقة عامة وقد اقترح السيد البابطين عبر أريحيته وكرمه المعروف، ان يتبناها ويزرعها ويبنيها بأسرع وقت وفي اجمل صورة وان يجعل في منتصفها ما نفتقده بشدة في الكويت ونعني به الأنصاب التذكارية على ان يحمل النصب التذكاري، الذي سيحمل اسم الشاعر الفرزدق في جنباته، القصائد الشعرية الخالدة اضافة الى قصيدة مميزة كل عام، فأين الخطأ في ذلك المشروع الثقافي الحضاري الذي يحتاج الى الدعم والمؤازرة لا الهجوم والتخذيل علما بأن الأنصاب التذكارية تنتشر في مشارق الارض ومغاربها ومن ذلك ما نراه في مدن المملكة العربية السعودية ارض الحرمين الشريفين؟!

أخيرا، لا علاقة خاصة او تجارية تربطني بالاخ الفاضل عبدالعزيز البابطين الا حب الكويت ودعمي للجهد الذي يقوم به كي ينتشر حب الخير من ارض الخير للآخرين، واذا كان بوسعود قد حصد المجد للكويت عن طريق تبني قضايا الثقافة والادب والشعر فلايزال في المجال متسع لمن يريد تبني قضايا ابداعية اخرى في الاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها ولا نعتقد ان الدولة ستبخل بالارض على من ينوي القيام بمثل تلك المشاريع التي تُدعم وتُشجع في العالم أجمع، والحديث ذو شجون.