كان العراقيون قبل 3 سنوات يتحدثون عن السبيل الأنجع لمنع لبننة العراق، أي الانجراف لحرب أهلية طاحنة تستمر لسنوات طوال، فأصبح اللبنانيون يتحدثون هذه الأيام عن خشيتهم من العرقنة، أي المذابح الطائفية وقطع الرقاب والقتل على الهوية والتفجيرات العشوائية التي لا تفرق بين الناس.
ان منع انحدار دول المنطقة الأخرى الى «اللبننة» أو «العرقنة» قضية لا تُترك للصدفة، بل هي عمل أمني وسياسي يحتاج الى الدراسة والتمعّن واكتشاف العوامل والمحاور المشتركة للحالتين، العراقية واللبنانية، ومن ثم فكلما ابتعدنا عن أحد تلك العناصر التفجيرية المشتركة ابتعدنا عن الانتهاء الى نفس النتائج المدمرة.
وبرأيي الشخصي ان هناك 12 قاسما مشتركا لعمليتي اللبننة والعرقنة، علينا أن نعمل جميعا في المنطقة للابتعاد عنها:
(1) الفهم السيئ عند المجتمعات المبتلاة لمعنى الديموقراطية والحرية الإعلامية، حيث استخدمتا بعيدا عن مقاصدهما الخيرة، وكوسيلتين لنشر أفكار الفرقة والاختلاف والحقد والتدمير بدلا من تعزيز الوحدة والإنماء والمحبة والتعمير.
(2) إسقاط هيبة الدولة عبر الهجوم المتواصل عليها وتحميلها كل الموبقات أو طلب المستحيلات منها واستبدالها بالقيادات المتخندقة التي لا مانع لديها من هزيمة الأوطان لصالح انتصار بعض تلك القيادات السياسية والعقائدية.
(3) السكوت المجتمعي والأمني عن الولاءات البديلة الخطيرة التي تضع مصالح الآخرين قبل مصالح الأوطان.
(4) الالتجاء للشارع بصوره المتعددة وجعله، بعاطفته وغوغائيته أحيانا، من يقود المسيرة فتغرر الزعامات بالشعوب ثم يرد لها الجمهور الهدية عبر جعلها أسيرة الوعود المدغدغة التي بذلتها.
(5) شغل أوقات المجتمع بالسياسة بدلا من الاقتصاد والأمور التنموية الأخرى، فالجميع مشغول طوال الوقت بالقضايا السياسية الساخنة ومحاربة طواحين الهواء ولا أحد يهتم بتطوير ذاته أو العناية باقتصاد بلده المدمر، فلا صوت، ضمن ذلك الصياح، يعلو فوق صوت المعركة وكل يوم بالطبع هو يوم حرب وضرب.
(6) الاستحضار الخاطئ للتاريخين القديم والحديث واجترارهما أو ادخال القضايا الإيمانية أو الغيبية أو التي مضى عليها آلاف السنين في الحياة اليومية بهدف خلق صراعات بين شرائح المجتمع وكأن تلك الأحداث الجسام حدثت بالأمس أو اليوم لا منذ قرون مضت.
(7) البحث عما تتباين فيه مكونات الدولة (دين، عرق، طائفة، تفاوت اقتصادي أو فروقات اجتماعية) وتسليط الضوء الباهر عليه وجعله وكأنه قضايا فريدة خاصة بنا لا أمرا جميلا موجودا في جميع المجتمعات الإنسانية الحية.
(8) تحول بعض رجال الدين وبعض وسائل الإعلام من نشر رسالة المحبة، التي تدعو لها جميع الأديان والطوائف، الى نشر الحقد والكراهية بدلا مما يرسخ الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.
(9) إفشاد الثقافة السالبة العامة، فجميع الحكومات العراقية واللبنانية ـ على سبيل المثال ـ فاسدة وجميع وزرائها سارقون، ولا يطلب أحد الإتيان بالبراهين على تلك التهم الخطيرة، فالمهم التأجيج والمزيد منه.
(10) إفشاء الشعور بالظلم لدى الجميع، فيذكر بعض العراقيين بأيام صدام عن طريق المحاكمات المطولة المعلنة، وبعض شرائح المجتمع اللبناني بمظالم لمناطقهم لم تعد موجودة، وهكذا الحال في أي دولة تستهدف بالتخريب والتدمير عبر إفشاءالشعور الكاذب بالظلم.
(11) إبعاد مكونات المجتمع المستهدف عن القواسم المشتركة لأبنائه ومن ثم خلق حالة فريدة تجعل ما يرضى ويفرح به نصف المجتمع يبكي ويرفضه نصفه الآخر.
(12) العمل بكل الطرق على إيقاف العجلة الاقتصادية في البلاد المستهدفة ونشر الخراب الاقتصادي والبطالة، مما يوفر الأرضية الصالحة لخلق ميليشيات مستقبلية، تمنح الشباب الغر الصغار فرصة الالتحاق بها مقابل رواتب مالية، ويسهل شحن من لا يجد قوت يومه بالأحقاد التي تحتاجها عمليات القتل والتفجير والتدمير.
والحديث ذو شجون…!