أصدر قاضي الجوف قبل مدة حكماً بالتفريق بين زوجين بعد ان رفع عم الزوجة دعوى لفسخ عقد زواجهما، بحجة عدم تكافؤ النسب، ولجأت الزوجة وأطفالها الى المخفر رافضة الذهاب لمنزل والدها، وقد تناولت الصحف السعودية ذلك الحكم الذي تباينت آراء المجتمع السعودي حوله بين مؤيد له ومعارض، وما زال الجدل قائماً على بعض المنتديات الخليجية.
ذكرنا في مقال سابق ان ما يجري في الخليج اليوم حدث مثله في مصر بالأمس، فقبل مائة عام وتحديداً في عام 1906 كان الشيخ علي اليوسف رجلا عصاميا مشهورا وشيخا كبيرا يملك جريدة «المؤيد» الأكثر انتشارا في مصر، حيث كان من كتابها سعد زغلول وقاسم أمين ومصطفى المنفلوطي، كما كان اليوسف، أشهر صحافي على الاطلاق، معاديا للانجليز وصديقا شخصيا للخديوي عباس ولخليفة المسلمين في الاستانة.
تقدم الشيخ لخطبة صفية ابنة السيد السادات احد اشراف مصر الذي ينتهي نسبه للحسين بن علي عليهما السلام، وعندما طالت الخطبة تزوج الاثنان واضعين الاب امام الأمر الواقع، الا انه بادر برفع قضية لفسخ عقد زواجهما عند القاضي «أبوخطوة» المشهور بشدته، الذي امر على الفور بالفصل بين الزوجين حتى انتهاء القضية، وأمر الزوجة ان تتوجه لمنزل والدها.
رفضت صفية الذهاب لمنزل الوالد وفضلت البقاء في منزل الشيخ الرافعي حيث كانت خادمته الأوروبية تقوم بنقل الرسائل بينها وبين زوجها وانشغل المجتمع المصري بتلك القضية وأيدت صحيفة «اللواء» المنافسة وصاحبها عبدالعزيز الجاويش موقف الأب، ونقلت على صدر صفحاتها ان الشيخ يأتي زوجته عند منتصف الليل، وهي في دار الرافعي ولا يخرج الا عند الفجر فأعلن القاضي أبوخطوة اضرابه عن العمل، وكانت المرة الأولى التي يضرب فيها قاض في مصر حتى تنفذ صفية حكمه بالذهاب لمنزل والدها، كما اعلن الرافعي بالمقابل انهاء ضيافته لها.
وفي يوم الحكم ترافع الشيخ الفندي عن الأب وكان متشددا كذلك، فذكر ان مصر كلها من الأعاجم عدا اسم السادات والبكري والوفائية المنتسبة للاشراف من قريش، ثم اتهم الشيخ علي اليوسف بأنه يمتهن مهنة وضيعة هي الصحافة المحرمة شرعاً حسب قوله كونها تقوم على التجسس والاشاعة وكشف الأسرار التي ينهى عنها الاسلام.
أصدر القاضي حكمه بالتفريق بين الزوجين، ولان بعد سنوات قلب الأب فتم زواج الشيخ الذي اصبح باشا ورئيسا لحزب الاصلاح الدستوري من صفية السادات بعقد جديد، الا ان الشيخ هجر السياسة والصحافة بسبب تلك القضية وعمل جاهدا حتى اصبح شيخا للسادة الوفائية ومن ثم اصبح ندا لصفية وأسرتها، وخلد الشاعر حافظ ابراهيم تلك القصة بقصيدة طويلة منها:
دعاه الغرام بسن الكهول
فجن جنونا ببنت النبي وزكى «أبوخطوة» قولهم
بحكم اشد من المضرب
فيا امة ضاق عن وصفها
جنان المفوه والأخطب
تضيع الحقيقة ما بيننا
ويصف البريء مع المذنب
ويهضم فينا الامام الحكيم
ويكرم فينا الجهول الغبي
يتبقى ان الحل العملي الذي يقضي على الأمراض المستفحلة في المجتمع الخليجي من تعصب للعائلية والقبلية والطائفية يكمن بالاكتفاء قانوناً بالأسماء الثلاثة الأولى لكل مواطن ومواطنة دون أسماء القبيلة أو العائلة أو ما يدل على العنصر أو الطائفة، وستكون التعرفة والتفرقة بعد ذلك بين زيد وزيد قائمتين على معطى الرقم المدني ورقم التأمينات إلخ، اللذين يفرقان في أوروبا بين جون وجون ويكون الاستثناء الوحيد للأسر الحاكمة في الخليج لخصوصية وضعها، وفي ذلك انتقال من عهد العظامية السابق الى عصر العصامية القادم.