سامي النصف

أوراق خليجية وأوراق المفتي (1 ـ 2)

استضافنا الزميلان الرائعان محمد القحطاني ومحمد العجمي في برنامجهما الشائق «أوراق خليجية» على محطة اوربت للحديث حول شؤون المنطقة وكان معنا على الهاتف ممثل حماس في لبنان الذي ذكر ان القيادة الكويتية اختارت الاستعانة بالولايات المتحدة لتحرير أرضها عام 1990، وان هذا الأمر يعطي حماس الحق في أن تختار من تشاء من حلفاء دون أن يكون لأحد الحق في نقدها على هذا التصرف، كرد منه على نقد الزميل الاردني رجا طلب لتحالف حماس مع ايران.

وما نذكّر ممثل حماس به ان اختيارنا في الكويت الرهان على الولايات المتحدة عرضنا لانتقاد شديد ومظاهرات من الأخوة الفلسطينيين وعلى رأسهم حركة حماس، ومن ثم ضرورة اعطاء الحق للآخرين في نقد خياراتهم من مبدأ المعاملة بالمثل، مع فارق كبير هو اننا راهنا على الحصان الرابح ومن يملك القدرة على حل اشكالنا وتنفيذ ما يعد به حتى ان الكويت تحررت في وقت قياسي دون ضرر بنا من قبل حلفائنا، وعلى يد من يؤمن بمبادئ خيرة كالديموقراطية والحرية والتعددية.

واشكالية الرهان على الأحصنة الخاسرة وتسليم الراية للزعامات الخاطئة هي المتسبب الرئيسي عبر تاريخنا الحديث في كل الاخفاقات التي أصابت، ومازالت، القضية الفلسطينية، وقد يكون من المصادفة البحتة قيام محطة الجزيرة وعبر برنامجها «ارشيفهم وتاريخنا» بتسليط الضوء هذه الأيام على ما قام به المفتي الراحل أمين الحسيني من رهان على الطغاة القمعيين أمثال هتلر وموسيليني، في وقت راهن فيه اليهود على دعاة الحرية والديموقراطية من دول الحلفاء، وقد تكرر هذا الأمر في رهان الرئيس عرفات والقيادات الأخرى على المنظومة الديكتاتورية الشيوعية المندحرة ومثلها رهانات هذه الأيام.

وسيرة المفتي ومواقفه هي نسخة كربونية للقيادات التي أتت بعده، فقد وصل الراحل أمين الحسيني الى منصب الافتاء الذي أهله لقيادة القضية بطريقة عجيبة حيث لم يكن معمماً في حينها، كما احتل المركز الأخير في انتخابات المفتي، الا ان تدخل المندوب السامي البريطاني هالبرت صموئيل أوصله اليه، كما سمح له برئاسة المجلس الاسلامي الأعلى، وهي المرة الأولى التي يمثل فيها شخص واحد المنصبين الهامين كحال احتلال عرفات لرئاسة فتح والمنظمة في الوقت نفسه.

وقد رفض المفتي بثوريته كل الحلول السياسية التي تقدمت بها عشرات اللجان والبعثات الأجنبية والعربية التي زارت فلسطين ـ وخون من نصحه بالتعقل من الحكام العرب ـ وآخرها لجنة بيل عام 1936 التي أعطت الفلسطينيين 90% من الأرض بحكم تواجدهم على أغلب الأراضي الفلسطينية من النقب حتى الجليل ووعدتهم بدولة مستقلة، وخصت 400 ألف يهودي بـ 10% من الأراضي بحكم كونهم قادمين جددا قد استوطنوا فقط تل ابيب والاراضي المحيطة بها.

والغريب ان اليهود قبلوا بذلك التقسيم الذي رفضه المفتي ورفض كذلك، بغرابة أكبر، الكتاب الأبيض البريطاني 1939الذي أقر مطلبه بانشاء دولة واحدة في فلسطين تضم العرب واليهود.