سامي النصف

سجن روبن وسجوننا العربية

اختتمت اجازتي الصيفية في جنوب افريقيا بزيارة للسجن الذي امضى فيه الزعيم نلسون مانديلا 18 عاما من حياته والقائم في جزيرة روبن المطلة على مدينة كيب تاون الساحرة وشواطئ الوترفول الرائعة، والسجن يحتل جزءا من الجزيرة الخضراء والمحاطة بالمياه الزرقاء وتوجد هناك كنائس ومدارس ومساكن للعاملين في السجن، كما ان اول منظر تشاهده عند الوصول هو قبة خضراء ومنارة اسلامية تحيطان بأول سجناء الجزيرة وهو الامير الاندونيسي عبدالرحمن الذي قاوم الاستعمار الهولندي في بلده في القرن السابع عشر فتم نفيه وسجنه في تلك الجزيرة.

اصطحبنا في زيارة الجزيرة وسجنها الشهير احد السجناء القدامى واسمه محمد صديق ومما رأيته في السجن ومرافقه الصحية وزنزانة مانديلا انه بحق سجن 5 نجوم مقارنة بسجوننا العربية رغم حقيقة ان السجن يظل تجربة انسانية مأساوية ايا كان مستواه.

وقد علمت ان كثيرا من سجناء وحتى سجاني جزيرة روبن ومنهم نائب رئيس جمهورية جنوب افريقيا الحالي قد دخلوا ذلك السجن اميين او شبه اميين فخرجوا منه وهم يحملون الشهادات الجامعية والدكتوراه، بينما يدخل كما هو معروف اصحاب الشهادات السجون الثورية العربية فيخرجون اما جثامين او مجانين!

وعدت بعد عودتي لارض الوطن بقسم خاص في مكتبتي اطلقت عليه اسم «ادب السجون» جمعت فيه ما استطعت من كتب وذكريات السجناء العرب بمختلف توجهاتهم السياسية في معتقلات اكثر من عشرة انظمة وطنية عربية وذهلت من الفارق الكبير بين الوضع فيما اصبح مزارا ومنارا للملايين من مواطني العالم المتقدم ونعني به سجن جزيرة روبن ممن اعتبروه مثالا للظلم والقمع وسوء المعاملة وبين ما كان يحدث ولايزال في بعض سجون بلداننا العربية والاسلامية.

ومن ذلك يذكر السجين الشيوعي المصري السيد يوسف تجربته الشخصية في سجون النظام الناصري ويروي حكاية السجان الذي كان يضربهم صباحا ومساء حتى اصابته ذات يوم ازمة قلبية من شدة ضربه لهم فلما اسعفه دكتور من المساجين املا بأن يخلق شيئا من الرحمة في قلبه كان اول ما قاله عندما فتح عينيه من الغيبوبة «آه يا ظلمة يا مفترين، كده تعملوا فيني والله لاوريكم لما استرد عافيتي»!

ويروي سجين عراقي تجربته في السجن ايام صدام فيقول انه اكتشف ان كثيرا من الموجودين لسنوات طوال هم سجناء «الصدفة والامر الواقع» حيث يحدث كثيرا ان ترسل المخابرات طلبا بالقبض على شخص يدعى محمد عبدالله او علي حسن في احدى النواحي او المدن، ما يحدث هو ان جميع من يسمون بتلك الاسماء الشائعة في العراق يقبض عليهم وبعد تحديد الشخص المستهدف يتم القاء البقية في السجن دون ذنب عدا منطق انه ما دمنا قبضنا عليهم فلماذا نطلق سراحهم؟!

آخر محطة:

في اليوم الاول لوصولي العاصمة جوهانسبرغ سألت مديرة الفندق البيضاء عن صحة ما يقال من امتلاء شوارع المدينة بالمجرمين الخطرين ممن يفترض ان يكونوا بالسجون وكانت اجابتها انها تأتي لدوامها صباحا مشيا على الاقدام وتعود ليلا الى سكنها بنفس الطريقة وان علىّ ان احكم بنفسي من تلك التجربة، اعتدت بعد ذلك عملية السير ليلا في الشوارع المظلمة وقبل ليلة المغادرة كنت عائدا للفندق ورقبت من الشارع المظلم المديرة وهي تخرج تحت ضوء الفندق ثم تلتفت يمينا ويسارا ثم تهرول وتختفي خلال ثوان في الباب الاول الملاصق للفندق حيث سكنها الذي تفتخر بأنها تذهب وترجع منه مشيا على الاقدام!