سعيد محمد سعيد

تبادل الاتهامات… وامصيبتاه!

 

نتمنى أن يكون جميع المسئولين في المرافق الحكومية ذات العلاقة و(التي لا علاقة لها) ذوي صدر رحب حين نوجه بعض الملاحظات التي نراها، ويراها الناس الذين ننقل آراءهم عبر الكتابة، ونرجو ألا يعتبروننا من المحرضين والمفسدين الذين يعيثون في الأرض فساداً.

فما الذي يحدث بين الأجهزة بعضها ببعض؟ منذ وقوع حادث بانوش (الدانة) المؤسف ونحن نتابع تصريحات وبيانات وردود من جهات مختلفة وكل واحدة تلقي بالتبعة على الأخرى، وتتهم هذه الوزارة (ضمنيا)… وزارة أخرى بالتقصير، وتفضح الأولى أوراق الثانية، وترفض هذه الإدارة قول زميلتها، وتدب الفوضى في كل مكان، وكأنما المسألة تنحصر في محاولة إلقاء التبعات والمسئوليات على جهة والسلام… وليكن، فلترم على الحلقة الأضعف أياً كانت… لكن هناك لجنة تحقيق مستقلة، وهناك تحقيقات في النيابة العامة تأخذ مجراها، فمن العيب، وأمام الناس، نقرأ كل يوم تصريحاً ينافي بعضه بل وينافي نفسه في بعض الأحيان ويناقض في أحيان أخرى بيانات أخرى تصدر من جهات حكومية.

اذا كان الأمر مرتبطاً بالصدمة والهلع وحال عدم الاستعداد التي تصيب أجهزتنا الحكومية فتجعلها تتخبط وكأنها تعمل خارج الإطار الحكومي… سنقول: هذا عذر مقبول! لكن معظم المسئولين – ونحن نتذكر جيداً كيف يتحدثون عبر الصحافة وأجهزة الإعلام – عن استعدادهم وتعاونهم ووجود حالة من (السمن على العسل) في التنسيق والتعاون والاتصال والعمل المتكامل بين الإدارات المختلفة.. لكن ما أن تقع حادثة، أو كارثة، حتى تظهر الفضائح.

اليوم، نحن أمام معضلة كبيرة وهي أن معظم الأجهزة التي تتعامل في مجال اصدار التراخيص، لا تعرف بعضها البعض على ما يبدو، وتغرد كل دائرة لوحدها خارج السرب، لكن هذا السرب كل يغرد في آن واحد وقت المصائب

سعيد محمد سعيد

صوت الطرف الرئيسي!

 

إذا سلمنا بأن هناك أوجه تقصير متعددة، وجوانب إخفاق وأخطاء ما ارتبطت بكارثة البانوش (الدانة)، فهذا لا يعني أنه لم تكن هناك جهود يلزم ذكرها بالثناء، ومحاولات جيدة في مرافق وأجهزة حكومية ومبادرات أهلية هي في الواقع محل إعجاب الكثيرين، ولعل أولها وأبرزها، العمل الإعلامي – تلفزيونياً وصحافياً – الذي جعل المواطنين والمقيمين، من داخل البحرين وخارجها في اتصال مباشر مع الحدث. غير أن الجانب الإعلامي هو ما يلزم التركيز عليه إذا شئنا الحديث عن الشفافية وحق الناس في الحصول على المعلومة… لقد كانت وزارة الداخلية – على سبيل المثال لا الحصر – في موقع المثال الطيب الذي غيّر الفكرة القديمة القائمة على حجب المعلومات ومنعها عن الإعلاميين، فكان المسئولون بالوزارة، بدءاً من رأس الوزارة، وهو وزيرها، مروراً بالمسئولين والضباط الذين شاركوا في المؤتمرات الصحافية، على قدر كبير من التعاون لتقديم المعلومات في حينها… ولسنا هنا نتحدث عن نوعية تجربة مبشرة فحسب، بل عن تطبيق فعلي لتزويد الناس بالمعلومات عبر أجهزة الإعلام من جانب الوزارة.

وزارة الإعلام، ممثلة في هيئة الإذاعة والتلفزيون، قدمت عملاً تشكر عليه، ونقلت من موقع الحدث صوراً وتقارير ولقاءات مباشرة، والتقت أيضاً أطرافاً متعددة، وساهم ذلك في ضخ كميات كبيرة من المعلومات التي سببت في بعض الأحيان تضارباً، وفي أحيان أخرى، مالت نحو معلومات غير دقيقة تتعلق بملابسات الحادث الأليم، وهو أمر ما كان يجب أن يمر وخصوصاً أن هناك لجنة تحقيق رسمية، تتولى الوقوف على التفاصيل والأسباب. لكن وسط كل هذا العمل، لم يستمع الجمهور إلى صوت طرف رئيسي في الحادث وهو صوت الشركة المالكة للبانوش… فعلى رغم أن البث المباشر والمتتابع ليلة الحادث، سمح للناس فرصة الاستماع إلى مالك البانوش، عبدالله عيسى الكبيسي، إلا أن ما بعد تلك الليلة، وفي المؤتمرات الصحافية المتعددة، غاب صوت ذلك الطرف المهم!

وهنا يأتي السؤال: لماذا؟ ففي الوقت الذي تحدث فيه المسئول الأجنبي بالشركة التي استأجرت البانوش من مالكه في مؤتمر صحافي وأتيحت له الفرصة للمشاركة والتحدث عن الحادث، لم تتح هذه الفرصة لمالك السفينة البحريني للحضور والتحدث للإعلاميين! وبعيداً عن المسوغات والتبريرات، التي قد نجد بعضها مقبولاً وبعضها الآخر مرفوضاً، كان لابد من إتاحة الفرصة لكل طرف للتحدث تماماً كما يحق للمتهم، بريئاً كان أم مذنباً.

إن كم المعلومات المتضاربة، والاتهامات من طرف ضد طرف، تلزم، موضوعياً ومن باب الإنصاف والحيادية، منح هذه الفرصة الثمينة لأي طرف مهم، فهذه المعادلة تعتبر جزءاً مهماً من مهمات الإعلام الموضوعي، حتى يتمكن كل طرف من الإدلاء بما لديه من معلومات في مثل هذه الحوادث الأليمة

سعيد محمد سعيد

من قرية إلى أخرى!

 

في أواخر شهر أبريل / نيسان من العام الماضي 2005، أصدر سمو رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة أمراً إلى الجهات المختصة بإجراء تحقيق فوري بشأن ما أثير عن تسرب للغاز بقرية المعامير والمناطق المجاورة لها في خطوة للتأكد من حقيقة الوضع واتخاذ الإجراءات اللازمة بعد تحديد الجهة المسئولة. ولم تسكن الحركة منذ ذلك الحين، فأهالي المعامير وكذلك الأهالي في قرى أخرى مثل النويدرات والعكر وسند بل وحتى منطقة الرفاع وقرى جو وعسكر رفعوا الشكوى من حصار الغازات لمناطق سكنهم… وهم بذلك دقوا ناقوس الخطر، وترك النواب ليحملوا الحكومة مسئولية التداعيات والمضاعفات التي يتعرض لها الأهالي، وتم تشكيل لجنة للتحقيق في المشكلة. الغاز الخانق بدأ ينتشر بدرجة أكبر طبقاً للشكاوى الواردة من الأهالي وطبقاً لتصريحات عدد من المتخصصين في البيئة، وأصبحت هذه الشكوى تظهر وتتجدد بين الفينة والأخرى، حتى أن وزارة الصحة بدأت هي الأخرى في فحص حالات مرضية تنوعت بين الإصابة بالأمراض الجلدية والصدرية للتأكد مما اذا كانت تلك الحالات بسبب استنشاق الغازات السامة أم لا، لكن النتائج كانت غير واضحة! ولم يتم اصدار تقرير نهائي عن حقيقة الوضع، إلا أن اللجنة التي تم تشكيلها في مجلس النواب للتحقيق في مشكلة انتشار الغازات رجحت أن يكون هناك انتشار لمركبات عضوية كبريتية تسبب مشكلات تلوث هوائية محلية بسبب روائحها الكريهة، ولا تعزى بالضرورة إلى مصدر واحد، ومن هذه المصادر الصناعات والأعمال التي تستخدم فيها المذيبات في عملية الصباغة والطلاء في المصانع المختلفة بمنطقة المعامير الصناعية وشمال معمل التكرير بما فيها عمليات تكرير النفط. أما على المستوى الطبي، فقد تنوعت حالات الأهالي بين الجرب الذي ينتج لأسباب جرثومية طفيلية وينتقل عن طريق العدوى من أشخاص مصابين.

وسط كل ذلك، استمرت شكوى المواطنين في مناطق المعامير والبحير وسند والنويدرات والرفاع ومناطق أخرى من انتشار الغازات… فما هي حقيقة الوضع؟ وهل سيبقى الوضع على ما هو عليه؟ في هذا الملف سنحاول إلقاء الضوء بشكل مكثف على هذه المعضلة

سعيد محمد سعيد

بين كوربوس وماكنا

 

ربما سيصبح مصطلح (العدالة الأميركية) أحد المصطلحات التي يمكن أن تستخدم في وصف التصادم بين الشعار والممارسة على مستوى حقوق الإنسان! فما أعلنه القاضي الأميركي انتوني سكاليا من عدم وجود حقوق دستورية للمعتقلين في غوانتنامو أثار انتقادات واسعة لا سيما بين القانونيين الأميركيين.

ولعل تصريح رئيس فريق المحامين المدافعين عن المعتقلين البحرينيين في غوانتنامو، جوشوا كوانغلو براين بشأن رفض المحكمة الأميركية الاستماع لشكاوى المحتجزين في معسكر غوانتنامو في كوبا، وذلك بناء على القانون الجديد المعدل الذي يمنع احضار المتهمين شخصيا الى المحكمة لكي يستمع اليهم القاضي، يكشف صورة قوية الاهتزاز لإجراءات التقاضي في ذلك المعسكر، بل ان قانونيين وناشطين اميركيين في مجال حقوق الإنسان انتقدوا القاضي سكاليا ودعوه الى التنحي بسبب «اعدامه» حق الطعن.

هذه الخطوة المضادة لفكرة الحقوق الجنائية العالمية والمخالفة قطعاً للعهدين الدوليين، تضع القضاء الأميركي أمام عاصفة قوية من التشكيك في النزاهة وهو العنصر الأساس لأية محكمة أو محاكمة…

كيف؟ في مدينة يالطة، وهي مدينة جبلية ساحلية يصل ارتفاع جبالها الخضراء باشجار الصنوبر إلى 1400م، وهي تطل على البحر الأسود وتقع في جنوب شبه جزيرة القرم، وعدت القوى العظمى العالمية، وكان ذلك في العام 1945، بتأمين الحريات المقررة كحرية النفس والأمان والمال والسكن والوجدان وحرية الاجتماعات علاوة على الحريات المبرمة بينها في حقوق الإنسان، وعممت هيئة الأمم المتحدة كل تلك الحقوق تحت مسميات متعددة منها (ماكنا كارتا العام 1225) و(هابيس كوربوس العام 1679) في مؤتمر المي عقد في السادس والعشرين من شهر فبراير/ شباط من العام ذاته.

الفكرة الأساسية التي اجتمعت عليها تلك الدول هي أن العالم أصبح ينظر بأهمية بالغة لفكرة الحقوق الجنائية العالمية، واستمرت الجهود الداعمة لهذه الفكرة، ومنها جهود الأميركيين، في مؤتمرات حقوق الإنسان في فيينا العام 1993 وتأسيس المحكمة الجنائية في يونيو/ حزيران العام 1998. انتهاء عن الفضيحة التي أتى بها القاضي الأميركي انطوني سكاليا، ليضع عدالة الأميركيين في معسكر غوانتنامو، في مكانها الصحيح المنافي لكل العهود الدولية