أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

نفحات رمضان.. وآهات وطن

أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بأن بلغنا رمضان، أعاننا الله جميعا على صيامه وقيامه وحسن العبادة فيه، وأعاده علينا جميعا، ولعله من المفيد أن نستعيد في هذه المناسبة المثل الكويتي عن رمضان، الذي يقول «أهو يعود لكن إن شاء الله احنا نعود».
ويقبل علينا رمضان هذه السنة والوطن تتزايد تحدياته ومعاناته وآهاته، فالحريات العامة التي هي نفس الناس وحياتهم مرت بإشكالية التضييق والمحاصرة، بأشكال وأوجه عديدة، ولم تعد أحكام الدستور هي المرجعية، خصوصا مع تشريعات تجنح الى هدر الضمانات الدستورية وتجيز الملاحقة والتوقيف والاتهام، حتى في أحوال الشك والاحتمال، بل إنها اتجهت الى تقييد وسائل التواصل الاجتماعي من خلال اعتبار مجرد الدخول إليها وتصفحها كافيا لتوجيه شكوى الاتهام الجنائي ـــ بكل أسف ـــ فضلا عن التوسع في السماح للتنصت تحت مبرر المصلحة الوطنية، فتحول الاستثناء الى أصل مهدرا للحريات، ونواكب هذا التقييد بصورة مقلقة وغيرها كثير.
لم يعد يخفى أن إفرازات الانتخابات، التي تمت على أساس الصوت الواحد، رغم سلامته دستوريا، قد أوجدت حالة مضطربة وغير مستقرة ولا حميدة في التمثيل الوطني، الذي يحقق تماسك البنيان الوطني، بسبب نجاح الأقليات التي تفتت المجتمع، وتزيد من الطرح والخطاب الفئوي بدلا من الخطاب الوطني، وهي بذرة لحالة تشرذم وطني قادم، شهدنا ما يماثله في ظل الـ 25 دائرة والصوتين، كما تفاقمت مظاهره في ظل الدوائر الخمس والأربعة أصوات، وها هو الصوت الواحد تبين مؤشراته مخاطر آثاره على وحدة الوطن وتماسكه. وظهور طبقة من النواب التي تتكسب من العضوية بشكل مخز.
لقد سادت أدبيات العمل السياسي في السنوات العشرين الماضية حالة من العناد والمكابرة، والسعي الى تحقيق أمجاد شخصية بسبب فساد النظام الانتخابي، برأيي، الذي يسترضي الناخبين ويدغدغ مشاعرهم بقضايا هامشية، وهو ما كرّس فكرة تحقيق الانتصارات على الحكومة أو العكس، وهي انتصارات للفرقعة الإعلامية، ولكنها خاوية كما أصحابها في الأطراف الثلاثة الحكومي والبرلماني والسياسي، ودليل ذلك أنه رغم كل تلك الضوضاء السياسية والمزايدات الإعلامية، لم يحقق البلد، ولم يحصد غير مزيد من التقهقر والتراجع في كل مناحي الحياة، رغم أن خروجنا من محنة الغزو أتاحت لنا فرصة إعادة بناء الوطن، ولكن فاتت علينا هذه الفرصة وبكل أسف.
واليوم وقد أقبل علينا رمضان بخيراته ونفحاته، فإننا بحاجة الى إعادة نظر في منهجية العمل الوطني، فلا إيجاد مجالس ضعيفة او مسيطر عليها هو طوق النجاة للوطن، ولا العناد وادعاء البطولات السياسية الوهمية من قبل السياسيين وقصور النظر عندهم هو الحل، كما أن المقاطعة واعتزال العمل هو الحل، ومخطئ من يدعي أن المخرج هو رؤيته فقط، إن المصلحة الوطنية تتطلب طَي تلك الصفحات بمناسبة رمضان لإعادة غربلة العمل الوطني على أسس بناءة، وبمبادرة تجمع الناس على مصلحة الوطن.
اللهم إني بلغت.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *