محمد الوشيحي

مهرة العين

«والغواني يغرهن الثناءُ»، وهي لا تنتظر ثناء أحد- وإن كان ثناؤهم عليها مدرارا – إذ تثني على نفسها بنفسها: «أتحدى البنات جمالا وذوقا وعطرا وغنجاً، أتحداهن جميعا»! واثقة هي إلى ما بعد حدود الثقة. وهي محقة فلم تغش نفسها. قاتلها الله ما أجملها… في محيطها، هي سيدة الزمان والمكان. يهندم الكلام ملابسه في حضورها، ويعيد تسريح شعره، فـ «لا صوت يعلو في حضور الفاتنة». الحياة تبدأ وتنتهي بضحكتها ودمعتها، هكذا يشعر الحضور. إذا ضحكت تراقص الفراش، وإذا بكت ساد الخشوع وصغرت الدنيا في العيون وتساءلت العقول: «هذه تبكي؟ فمن يضحك إذاً؟!»، أما إذا تغنت طربا وعشقا فسيتعطر الهواء. رقيقة هي وقاسية. هادئة صاخبة. تراقبها الأعين الحيرى أين حلت وارتحلت، وتتبعها القلوب الظمأى أين سارت وانتقلت. متابعة قراءة مهرة العين

محمد الوشيحي

الطابق 26

العامل البنغالي مثل النمر في غالب الأحيان. فالنمر سيتركك تمرّ بجانبه في الغابة من دون أن يؤذيك بشرط ألا تباشر أنت بأذيته، بل وقد يبادرك التحية، ولو استطاع لتناول معك فنجان قهوة إن لم يكن مرتبطا بمواعيد في طرف الغابة، أما إن بدرت منك حركة غدر يمين يسار أو شعر بخطورتك على حياته فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نقطة على السطر. الناس وراها دوامات… العلماء كلهم يقولون: «النمر حيوان مسالم، لن يهاجمك إلا إذا جاع». وأنا أقول: «والبنغالي كذلك، لن يهاجمك إلا إذا جاع». متابعة قراءة الطابق 26

محمد الوشيحي

… أو فليعتزل النساء

يتحدثون بحماسة فائقة، يشرحون مآساتهم الوظيفية بقهر متضخم وحزن يخجل الثكلى، وبو سلمان يستمع ويحدق في العيون والشفاه، لكن لا يفقه قولهم، فعقله لم يكن معه، أبدا. يتحدثون عن حقوقهم في الترقيات فيسافر بي خيالي إلى الأرجنتين، أثناء حديثهم، لأرقص التانجو على ضفاف الأنهار هناك… إطلاقا لم يكن الأمر استهانة بهم ولا بقضيتهم، وإنما العقل ولله الحمد وصل إلى مرحلة لم يعد فيها هرش الجبهة يجدي لتنشيطه.
أحيانا أشعر بأن العقل له روح وكيان مثلنا تماما، وله ساعات عمل محددة، فإذا ما شغّلته أكثر من الساعات المتفق عليها، بعث إليك وصولات الإنذار، فإن لم ترتدع حمل ما خف وزنه وغلا ثمنه ورفع ذراع الوداع وغادر بالسلامة، وحلّني على ما يرجع… تتأسف له، تستجديه، تعتذر، تقسم بخالقك وخالقه بحاجتك الماسة إليه في هذه الفترة الحرجة، ولا فائدة. فتشتمه وتشتم أهله وتنام ملوما محسورا. متابعة قراءة … أو فليعتزل النساء

محمد الوشيحي

جرحوا أناملها يا محمد الصباح

رسالتها الإلكترونية تحمل الكثير من القهر، كتبتها لي بعدما أضرب عمال محطات الوقود البنغاليون في الكويت عن العمل احتجاجا على حرمانهم من رواتبهم، تقول في رسالتها: «يرضيك يا الوشيحي أن أنزل من سيارتي في هالحر أعبّي بنزين بنفسي، وين راحوا البنغالية يعلّهم الماحي»، وللتوضيح لغير المتحدثين بالكويتية: «هل ترضى يا الوشيحي بأن أنزل من سيارتي في هذا الجو الحار لأملأها بالوقود بنفسي؟ أين ذهب العمال البنغاليون المختصون بتعبئة سيارات النساء بالوقود؟»، وكلمة «يعلهم الماحي» دعاء للإبادة الجماعية… كانت هذه هي رسالتها وكان ردي مختصرا: «سلامة أناملك». متابعة قراءة جرحوا أناملها يا محمد الصباح

محمد الوشيحي

العقارب تريد حقها أيضا

لكل زمان دولة ورجال. وبعض رجال الفن في نهاية الثمانينات من فصيلة خاصة. شيء أشبه بالفقاعة، انتفخت وتلاشت بلمح البصر.
كنت طالبا في مصر عندما ظهرت أغنية «لولاكي» التي غناها «زنبرك» على هيئة إنسان اسمه علي حميدة. مصري بهيئة ليبية، طويل الشعر، ضئيل الجسم. وكان لصحته ولياقته العالية يقفز وكأن أرضية المسرح من جمر، وكلما تجلّى رقص حاجبيه وقفز أعلى، حتى خُيّل لي أنه سيتشعبط في السقف لا محالة، عاجلا غير آجل. متابعة قراءة العقارب تريد حقها أيضا

محمد الوشيحي

عاشور… هو أم الطفل

النائب صالح عاشور، حفظه الله بعيدا عن متناول الأطفال، كلما اهتز كرسي أحد المسؤولين الشيعة ارتدى قميص المظلومية وشرع بالبكاء على الوحدة الوطنية، وهات يا لطم ونواح وعويل ونثر التراب على الوجوه على طريقة نائحات البصرة. فوكيل وزارة الصحة عيسى الخليفة الذي صلى بالوزارة باتجاه الشرق، هو مسؤول متفان، حاشا لله أن يخطئ، وهم يهاجمونه لأسباب طائفية. أما تردي الخدمات الصحية والفساد المستشري في الوزارة فلا علاقة له به، لا من هنا ولا من هناك. ولا أدري من الذي له علاقة بالموضوع؟ عبد الله الرويشد مثلا؟ ثم من قال بأن الخدمات الصحية متردية أساسا؟
صالح عاشور على استعداد تام لتحويل حادث سيارة على الدائري الرابع إلى مناسبة يستغلها للتصريح بأن الشيعة مستهدفون وأنه ولخشيته على الوحدة الوطنية يتمنى أن ترغم الحكومة المواطن السني على شراء سيارة جديدة للشيعي بعدما يقبل رأسه ويركع على ركبتيه أمامه. ولو ساء حظ عاشور يوما ولم تتصادم سيارة شيعي بأحد فلا مانع من فتح الكتب المدرسية والبحث عن أي سطر يسد الرمق ويفتح صناديق المظلومية. أي شيء وفي أي وقت وأي مكان بإمكان عاشور «ترهيمه» واستخدامه للبكاء والعويل والتظاهر بالشعور بالظلم! المد والجزر واتجاهات الرياح والأدوات المنزلية وعصير البرتقال، كلها تدل على تعرض الشيعة للظلم في الكويت، واسألوا صالح عاشور. متابعة قراءة عاشور… هو أم الطفل

محمد الوشيحي

ملوك الشعر

عن الشعر سأتحدث معك إلى السابعة صباحا من العام المقبل، سل ما بدالك بعدما تمدّني بالقهوة وبالسجائر. قال: شاعرك المعاصر المفضل؟ قلت: كثر، شعبيا يبرز اسم ضيدان بن قضعان، وليس لصلة القرابة علاقة في تمجيدي لشعره، ولست وحدي من يمجد شعره، انظر إلى الصالة والجمهور الواقف خلف الجمهور الجالس، وانظر لتصفيق الكبار والصغار لهذا الصعلوك. هذا الشاعر يحلق بخيال مجنون. خذ درّته الخالدة، قصيدة «نسناس الشمال» وتمعن في تركيبة الأبيات والسبك والحبك والانتقال السلس من فكرة إلى أخرى والإبداع في التصوير البلاغي رغم تعليمه المحدود: «يا وجودي كل ما هب نسناس الشمال، وجْد من حدّه زمانه على اللي ما يبيه / ويا وجودي كل ما اضحيت ثم مال الظلال، لا غفت عيني ولا ذقت شي (ن) مشتهيه…»، إلى أن يصل القمة في شاعريته ويقول: « لو بقى للهيل صبر(ن) على فوح الدلال، ما بقى للقلب صبر(ن) على شي(ن) يجيه / كنت أحسب ان الغلا زال واثره لا يزال، في الحشا ما كنّه إلا دخيل(ن) في الوجيه…»، مثل هذا الشعر يا صاحبي يسبب الآلام للأكف التي لن تتوقف عن التصفيق. لله در هذا الشعر ما أعظمه. متابعة قراءة ملوك الشعر

محمد الوشيحي

عندما يغضب المصريون

لكن ذلك الكاتب عندما هاجمني، وهو الذي يتبجح دائما بأنه الكاتب الذي لا يُهزم وأن قلمه أقوى من السيف البتار وأشرس من رجل الصرصار، امتشقت قلمي برواق ومزاج وضربته على قفاه الكريم، و«ضرب القفا فيه الشفا»، فراح يصرخ صراخ العوالم ويشتكيني لطوب الأرض ولكل عابر سبيل. هذا وهو يملك سلاحا كسلاحي وميدانا كميداني… ولهذا أقول للمصريين الغاضبين بسبب فيلم «اغتيال فرعون» الذي أنتجته إيران ومجدت فيه قتلة السادات، أقول لهم: حماية الوجوه بإخفائها خلف الأيدي لن يمنعكم من تلقّي الكف الثاني أو «القلم» العاشر… وليس أمامكم إلا المنازلة في الميدان وبالسلاح عينه، والبادي أظلم. متابعة قراءة عندما يغضب المصريون

محمد الوشيحي

كوت وبلوت

والأمن مستتب، والناس تلعب الجنجفة، الورق بلغة الضاد… في المناطق الداخلية يلعبون «الكوت بو ستة» وهي لعبة تشع غباء سميكا يتقاسمه اللاعبون الستة بالتساوي المريح، غباء لن تجد له مثيلا لا في الصين ولا في النويصيب. وفي المناطق الخارجية يلعبون «البلوت» وهي لعبة يقال بأن مصدرها السعودية، وقيل بل فرنسا، واختلف الرواة. أما الكوت بو ستة فمصدرها البقر. والبلوت أقل غباء من شقيقتها الكوت، لكن لاعبيها هم أنفسهم الأغبياء، فهم يبتسمون في بداية الأمر ويتقاتلون بعد نصف ساعة على أحسن الأحوال: «وين غلام السبيت يا الحرامي؟»/ «الحرامي أبوك»/ «طلّق أختي منت كفو نسب»… ويحتدم النقاش، فيتدخل «العقلاء» بعد أسبوع لإصلاح ذات البين، وتذبح الذبائح وتعود المياه إلى مجاريها، وتعود المرأة المسكينة إلى عش الغراب، ويعود اللاعبان إلى التحدي مرة أخرى، ويبتسمون، وبعد نصف ساعة: «وين غلام السبيت يا الحرامي؟»/ «الحرامي أبوك»/ «طلّق أختي»… ويتدخل العقلاء. متابعة قراءة كوت وبلوت

محمد الوشيحي

«كويتنا هلا هلو»

ببساطة، وكما قال الخليل لأحد تلاميذه: «إذا لم تستطع شيئا فدعه، وجاوزه إلى ما تستطيعُ»… لو تدخلت أميركا وألمانيا وفرنسا واليابان وعائشة الرشيد لإقناع الناس بقدرتي على اللعب في فريق كرة قدم، أي فريق، لما استطاعوا، بل ولن يستطيعوا قبل ذلك إقناعي أنا… ومازلت أتذكر تلك المباراة التي اضطرت فيها وحدتي العسكرية مكرهة بسبب النقص للاستعانة بخدماتي وخدمات اللاعب الأجنبي الآخر «شمشينهو»، وهو المراسل الصعيدي نقي القلب، الذي يسمي الشمس «الشمش»، والجيش «الديش»، فأصبحنا نناديه «شمش الديش». وكنا الاثنان انا وهو ثغرة دفرسوار في فريقنا ولا فخر.
الفريق المنافس، كان يضم لاعب المنتخب الوطني السابق خالد الشريدة، بينما تصدى شمشينهو لحراسة مرمانا وشغلت أنا مركز قلب الدفاع، بالصلاة على رسول الله، وعينك ما تشوف إلا النور، أو عينك ما تشوف لا نور ولا تنور. «كل حملة ولد» وكل هجمة عليّ أنا وشمشينهو بهدف! وقررت أن أستخدم الخشونة مع لاعب ضخم في الفريق المنافس آذى لاعبينا، فضربته على فخذه الأسفل (كان بأربعة أفخاذ، اثنان في يديه واثنان في رجليه)، فحصلت منه على كوع مجاني على رأس المعدة أفقدني القدرة على الصراخ والتنفس، الله يعطيه العافية، وتوقفت المباراة بسببي وخفت أن أموت قبل أن أشتمه، لكن أمنيتي تحققت وشتمته في قلبي، إنما الأعمال بالنيات. ثم استؤنفت المباراة وكل لاعب يراقب لاعباً، وأنا خارج الملعب أراقب كوع الخبيث وأشجع فريقي، وأبث الحماسة في رأس لاعبنا ذاك الذي يجري بطول الملعب وعرضه ليسد الفراغات. كنت أشجعه وأنبهه: «المشوار طويل خذ معك تمراً لا تجوع في الطريق، واحذر من أبو أربعة أفخاذ وكوع»… ومن بعد المباراة تلك حملت مزودتي على كتفي وغادرت عالم كرة القدم. متابعة قراءة «كويتنا هلا هلو»