احمد الصراف

فاقد الشيء لا يعطيه

أكد نائب رئيس الحرس الوطني، الشيخ مشعل الأحمد، أن الحرس الوطني سيظل ركنا حصينا شامخا يؤدي دوره بكل ثقة واقتدار في منظومة الأمن والدفاع عن الكويت، بالتعاون مع الجيش والشرطة. وهذا كلام جميل، وهو ما نتوقعه، فالحرس الوطني، باعتقادي، معني أساسا بالحفاظ على النظام والنظام، وهذا هدفه وهدف جميع مؤسسات الدولة، فالحفاظ على «النظام الشرعي» ضروري لسلامة الدولة، والمحافظة على النظام العام مهمة لرخائها، ولكن هذا الواجب، أو الهم لا يمكن لأي جهة القيام به ان لم تكن تعرفه وتطبقه بصرامة، وبصورة مستمرة ومن دون تراخ، ولكن زيارة سريعة واحدة لأي من معسكرات الحرس الوطني، أو أي من اداراته تكفي لاعطاء صورة عن عدم تقيد الكثير من منتسبي الحرس من افراد، عسكريين ومدنيين، وضباط بالنظام في مواقف السيارات المخصصة لهم، والتي تقل كثيرا في بعض الأماكن عن احتياجاتهم، وتزيد في أماكن اخرى ولكن من دون ترتيب مما يدفع بالكثيرين منهم لايقافها باي صورة كانت، وعرقلة المرور، وحتى اتلاف متعمد للمال العام باتلاف ارصفة منتصف الطريق وغيرها التي تقف عليها!
ومن منطلق شعوري بالمسؤولية قررت يوما زيارة «معسكر الصمود» في منطقة صبحان لمقابلة آمر المعسكر وشرح الوضع السيئ له خارج أسوار المعسكر، ولكن سرعان ما ندمت على قراري، فقد دخلت الموقف ورأيت فوضى لم أر مثلها، وكيف أن «الكل مسكر على الكل»، ووجدت نفسي غير قادر على التقدم أكثر لأن مركبة اغلقت الطريق أمامي، وعندما حاولت الرجوع اكتشفت ان أخرى كانت تتبعني أوقفها صاحبها في وسط الممر، من دون أي مسؤولية، وذهب! وهنا اضطررت للاتصال بسائقي، الذي حضر ليأخذني للشركة، ويعود ليجلس في السيارة بانتظار «فرج الحرس»! وبقي المسكين في السيارة لأكثر من ساعة!
ان من لا يمارس أو يفتقد النظام في حياته وسلوكه سيعجز حتما عن القيام بواجبه في حفظ النظام، ومن منطلق حرصي أيضا، قمت بالاتصال بمكتب نائب رئيس الحرس الوطني لوضعه في الصورة، ولكن بسبب انشغاله او وجوده خارج البلاد، لم أتمكن من التحدث معه بعد أكثر من محاولة، بل قام ضباط دمثو الخلق بالاتصال بي، وشرحت لاثنين منهم على الأقل، وبتفصيل ممل، الوضع، وطالبتهما بزيارة مواقع محددة للحرس! مر ما يقارب الشهرين على آخر اتصال، وحتى ساعة كتابة هذا المقال لم يحدث اي تطور، وهنا نتمنى أن يصل محتوى مقالنا هذا لسمع وانتباه الشيخ مشعل الأحمد، وأن يقوم سلاح الهندسة في الحرس بواجبه في توفير المواقف، مع ضرورة مراقبة تلك المواقف ومنع أي تجاوزات، أو حتى مخالفات لابسط قواعد المرور والخلق فيها، ففاقد الشيء لا يعطيه!

أحمد الصراف

www.kalamanas.com

احمد الصراف

رسالة إلى الماء

أعلنت شركة اماراتية عن توصلها لصنع جهاز «علمي» مصنع بأفضل المواصفات، اطلقت عليه اسم «رسالة الى الماء»! وهذا الجهاز يتم تركيبه على براد الماء في البيت أو المكتب، ويقوم بقراءة القرآن على كامل الماء ويعيد القراءة ذاتياً، كما له خاصية التحكم في الصوت والتوقيف والاعادة، وخاصية الاحتفاظ بكمية من الماء داخل العبوة. وميزة الجهاز أنه يجعل بالامكان شرب مـاء بعد اسبـوع مقـروءا علـيه ختمـات عـدة. اضافة الى ذلك فان للماء الذي يشرب من هذا الجهاز خاصية التحصين من «العين والحسد والسحر». كما يزيد من مناعة الجسم، ويرفع مستوى الاستيعاب الدراسي وينشط الذاكرة، ويصلح علاجا للمشاكل الزوجية والامراض المزمنة والمستعصية، واعطاء القدرة على التحكم في التهور والتخلص من الخوف والتردد والقلق، وتحسين القدرة على النطق وسرعة الكلام، والوقاية من الامراض الخبيثة كالسرطان وغيره، والتخلص من العادات السيئة. كما يحصن شرب هذا الماء، وفق اعلان الجهاز، المسجل لدى وزارة الاقتصاد في الامارات، من الشيطان، ويطرده من المكان الموجود فيه الجهاز، وهذا يعني أن كل بيت يحتاج الى عدد منه. كما يساعد شرب ماء الجهاز في التخلص من حب الشباب، وهي من مشاكلنا القومية الخطرة!! ويساعد في السيطرة على «المايغرين» الصداع النصفي، والقضاء على الاحلام المزعجة، (وحتى الحشرات)، ويقوي جهاز المناعة، وغير ذلك الكثير، وثمنه بعد كل هذا يعادل 30 دينارا، شاملا التوصيل. وهنا نطالب بتعاون وزيري الصحة والتربية الجديدين والتكاتف واستيراد نصف مليون من هذا الجهاز، وتوزيعه على بيوت المواطنين بمعدل 4 اجهزة لكل بيت ليستفيد منه الجميع، اما المقيمون فبامكانهم تدبير أمورهم مع المصنع مباشرة. أكتب ذلك وانا على ثقة، بعد صحوة ما بعد الصحوة الأولى، والتي ضربت أطنابها مؤخرا في ديارنا، بأن البعض سيتضايق مما كتبت، وسيسعى آخرون حتما للحصول على الجهاز! وذكرني الاعلان بآخر نشر قبل سنوات في الكويت عن توافر «سراويل» اسلامية، هذا طبعا غير الحجاب الاسلامي، ولا أعرف ما هو الحجاب غير الاسلامي، وغير ذلك، فهي تجارة في الدين ربحها الدنيوي مضمون وهذا هو المهم!

أحمد الصراف

احمد الصراف

رويترز والبنا

أجرت وكالة رويترز لقاء مع جمال البنا، شقيق مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين، وهو مفكر «إسلامي» كبير وله أكثر من مائة مؤلف وعشرات المقابلات التلفزيونية والمقالات المستنيرة، قال فيه ان من الأفضل لمصر حاليا أن يقودها رئيس «علماني»، وإن الخلط بين السياسة والدين مآله الفشل، مؤكدا أن شقيقه لم يكن ليقر خطط «الإخوان» في الحكم الآن، وأن هناك فرقا كبيرا جدا بين وضعهم فى الأربعينات والآن، وأن طموحات حسن لم تكن سياسية، بل جعل الإسلام منهج حياة! وحول المخاوف من صعود «الإخوان» والسلفيين، قال ان هناك تخوفات حقيقية لأن الرؤوس التي ترأس «الإخوان» والسلف ليس لديها أفكار من يحيا حياة العصر، أو يفهم كيف تنهض الدول فيه! وقال إن جماعة «الإخوان» صارت أكثر تشددا بمرور السنين في شأن حقوق المرأة بسبب انتشار الفكر الوهابي المتشدد، مضيفا أن السعودية حولت النساء إلى «شبح أسود»، وهنا يشير للنقاب والقفازات السوداء التي ترتديها النساء في المملكة، وأن الحجاب ليس من الإسلام وإنه تراث خليجي (!!). وقال انه يرفض خلط الدين بالسياسة، ويخالف في ذلك «الإخوان» الذين يرفعون شعار «الإسلام هو الحل». ويضيف «أي دولة تقوم على الدين لا بد أن تفشل، وتجربة ذلك موجودة في الإسلام والمسيحية». واوضح ان هؤلاء حققوا النجاح الانتخابي بدعم من شعور السخط الذي عانوه لعشرات السنين بسبب الاستبداد وليس بسبب تأييد شعبي لبرنامجهم، كثيرون من الذين انتخبوهم كانوا يقولون: «جربنا الاشتراكية والناصرية والقومية العربية، فلماذا لا نجرب الإخوان؟».
ويعتقد البنا أن من مصلحة مصر أن يحكمها رئيس ليبرالي، قائلا إن المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي كان الأنسب لرئاسة البلاد لكنه أعلن انسحابه من السباق!
هذه ليست شهادة رجل عادي، وشاب غر، بل هي شهادة مفكر كبير جاوز التسعين، ولا يزال متوقد الذهن عالما بما يقول، فمتى يأتي وقت الانصات لصوت العقل، وتغليب المنطق على العاطفة؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

عندما يهان الكبير

على الرغم من أن مقر الاخوان المسلمين يقع في مصر فان امبراطوريتهم المالية والسياسية تمتد لعشرات الدول. ويقول الزميل ابراهيم عيسى، («الدستور» المصرية، 25/3)، إن دخلهم من اشتراكات الأعضاء في مصر وحدها يبلغ نصف مليار جنيه، كما تحصل الجماعة على نسبة من أرباح شركات رجال أعمال «الاخوان» تحت بند «التبرعات» وهذه تصل أحيانا الى 20 مليون جنيه. وتحصل كذلك على نصف مليار دولار كعائد على استثماراتها في دبي وتركيا وهونغ كونغ، ويتم تحويل هذه العائدات سنويا في صورة سندات في بنوك سويسرية. ومع ذلك، غالبا ما تكون خارج نطاق أي رقابة مالية أو سياسية! ويتكون هيكل التنظيم من المرشد العام، ومكتب الارشاد، ومجلس الشورى العالمي العام. وقد تأسست الحركة قبل 84 عاما (مارس 1928)، ويهيمن المرشد العام على كل شيء تقريبا، ويسعى التنظيم الى ايجاد حكومات اسلامية في كل الدول، عن طريق اصلاح المجتمع. ويبايع أفراد الجماعة المرشد بيعة الولاء، مع التعهد بالسمع والطاعة له، وهي طاعة تعلو على طاعتهم لدستور الدولة التي قد يصبحون أعضاء في برلمانها، وهم بذلك يشبهون نظام الحكم في ايران، حيث الولاء للمرشد الأعلى يأتي قبل اي ولاء. وقد رأينا مؤخرا كيف زاد نفوذهم في الكويت والبحرين والأردن، وامتد لتونس، حيث أصبح عضو مجلس شوراها العالمي، راشد الغنوشي، مهيمنا على كل شيء، وان من وراء الستار. ولمعرفة بعض ما ستقوم به جماعة الاخوان عند تسلمها للسلطة في أي بلد، وموقفها من القضايا العامة ومن الأقليات غير المسلمة بالذات، دعونا نتعرف على فكر واحد من أكبر دعاتها، وهو وجدي غنيم، الذي يبين، من دون اي مواربة، موقف الاخوان من ملايين المصريين والسوريين واللبنانيين من غير المسلمين، حيث ذكر، اثر سماعه نبأ وفاة الأنبا شنودة: الحمد لله بالأمس من فضل الله علينا هلك رأس الكفر والشرك المسمى شنودة، الله ينتقم منه، واستراح الناس منه والعباد والشجر والدواب(!!) استراحت مصر منه لأنه كان صاحب فتنة طائفية هذا الهالك المجرم الملعون المسمى شنودة، هذا الذي قالوا له إن القرآن في سورة المائدة يقول: «واذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله». قال شنودة لا لا احنا مش بنتخذ المسيح وأمه الهين من دون الله، دا المسيح هو الله! وهو كان واضحاً جدا في الحقيقة في عدائه للاسلام، وهو رد على شعار «الاخوان» القرآن دستورنا قائلا: الانجيل دستورنا، وردا على شعار «الموت في سبيل الله أسمى أمانينا»، قال: لا، الموت في سبيل المسيح أسمى أمانينا. وكان يقول بأن مصر محتلة من المسلمين، ويطالب بالغاء الشريعة الاسلامية واعتبار مصر دولة قبطية (!!) وكان يريد الفتنة الطائفية ويريد يولع مصر. يبقى بالله عليكم ده نعزي فيه، ولا نزعل؟ نحن نفرح لهلاكه، نفق والحمد لله، في ستين داهية، الله ينتقم منه في نار جهنم، هو وكل من يسلك مسلكه.
والآن هل نتوقع سلاما أهليا في أي دولة قد يحكمها «الاخوان» يوما، وفيها من هم غير مسلمين؟ وهل يستحق أصحاب مثل هذا الفكر تسلم السلطة وأن نثق بهم ونضع مصائرنا بين أيديهم؟ اين ذهب التسامح الذي يدعونه؟ اين المحبة أين الاخاء، أين العيش المشترك؟ وهل يجوز لـ «داعية اسلامي» وصف رجل دين كبير، غادر دنيانا وغير قادر على الرد، بمثل هذه الأوصاف التي تشمئز منها النفس؟ وألا ترون ان الأواني تنضح بما فيها؟ نص التصريح على الرابط
http://www.youtube.com/watch?v=uRRJA6Ej_x4&feature=youtube_gdata_player

أحمد الصراف

احمد الصراف

خذوا النفط واعطونا الكتاب

كتب توماس فريدمان في «النيويورك تايمز» (3/10)، أنه عندما يسأل عن أفضل بلد لديه، عدا وطنه، فإنه يجيب: تايوان! فتايوان بلد خال من أي موارد طبيعية وأرضه صخرية ويقع في بحر تتلاطمه العواصف من كل جهة، وبحاجة لاستيراد كل شيء حتى الرمل والبحص، ومع هذا يمتلك رابع أفضل احتياطي مالي في العالم، لأنه اختار الحفر في عقول أبنائه بحثاً عن الإبداع بدلاً من الحفر في الأرض بحثاً عن المعادن، فالبشر هم طاقته الوحيدة غير الناضبة والقابلة للتجديد. ويقول إنه وجد إجابة لتفوق تايوان في دراسة لمنظمة OECD الإقليمية عن علاقة مخرجات التعليم في 65 دولة في مرحلة الثانوية، مقارنة بما تحققه كل منها من دخل من مصادرها الطبيعية، وأن هناك علاقة سلبية بين الثراء المتحقق من الموارد الطبيعية، كالنفط، وبين مخرجات التعليم وما يحصل عليه الطلبة من معرفة ومهارات، وأن الظاهرة عالمية. وبيّنت الدراسة أن طلبة سنغافورة وفنلندا وكوريا وهونغ كونغ واليابان حققوا أفضل النتائج بالرغم من خلو دولهم من الموارد الطبيعية، بينما حقق طلبة ثانويات قطر وكازاخستان والسعودية والكويت وسوريا والجزائر والبحرين وإيران أسوأ النتائج، وحقق طلبة لبنان والأردن وتركيا، الأقل في مواردهم الطبيعية، نتائج أفضل. وأن طلبة دول مثل البرازيل والمكسيك والأرجنتين، الغنية بالموارد الطبيعية، حققوا نتائج متواضعة في الوقت الذي حقق فيه طلبة كندا وأستراليا والنرويج، الذين تتمتع دولهم بغنى الموارد نفسه، نتائج جيدة، لأن هذه الدول حافظت على ثرواتها بطريقة سليمة، وأعادت إحياءها، واستغلت العوائد بطرق سليمة، وابتعدت عن استهلاك ما حققته من ثروات في الرواتب والمنح، كما يفعل البعض بجنون واضح. ويقول فريدمان إنه يمكن قياس تقدم دولة ما في القرن الـ 21 من خلال ما تنفقه على «خلق» المدرس الناجح، وتربية الأبناء وزرع الجدية فيهم والاهتمام بمقرراتهم، وليس بما تمتلكه من ذهب وألماس ونفط، فمستوى مخرجات التعليم هو الذي سيحدد قوة أمم المستقبل وثراءها وليس الدخل من الموارد الطبيعية، ولو نظرنا إلى جنسية غالبية الشركات المدرجة في سوق ناسداك، بخلاف الاقتصادات الكبرى، لوجدنا أن جميعها فقيرة في مواردها الطبيعية، فالمعرفة والمهارات هما عملة المستقبل. (وأعتقد أن سبب تميز اقتصاد دبي وشعب البحرين عن بقية «المشايخ والممالك» يعود لفقرهما النفطي)! ويختم فريدمان مقاله بأن من المفيد أن يكون لدى دولة ما نفط وغاز وألماس، ولكنها تصبح بلا جدوى إن لم تستغل بطريقة سليمة، خصوصاً أن هذه الموارد تضعف أي مجتمع في المدى البعيد، إن لم يتم الاهتمام بالتعليم والإيمان التام بالثقافة، فالذي يحرك الإنسان ليس الذي يأتي إليه طوعاً، بل ما يدفعه ليحضره بنفسه.
وقد ذكّرني مقال فريدمان بمسابقات مزاين الإبل، واختيار أفضل تيس وأجمل نعجة، وهذا ربما لا بأس به كتسلية، ولكننا نصبح دولة بائسة عندما نعطي التيس أهمية أكبر من التعليم! كما ذكّرني المقال بما سبق أن ذكرته في محاضرة للأستاذ إبراهيم البليهي من أننا، كخليجيين، لا يمكن أن تقوم لنا قائمة والنفط موجود، وأن الحاجة هي التي ستجعلنا ننهض! ولكني اكتشفت أخيراً أننا في خضم شراهتنا للصرف، وإهمالنا التعليم، وجمعية معلمينا خير مثال، فإن النفط سينضب بأسرع ما كنت أتصور، وبالتالي لا حاجة لحرق آباره! وتساؤلي قبل الأخير هو: لماذا يهتم البعض كل هذا الاهتمام بتوفير أفضل التعليم لأبنائه، ولو على حساب راحته، وتفشل الحكومة في توفير الأمر ذاته لأبنائها، على الرغم من أن مواردها وقدراتها أعظم بكثير؟ وأخيراً: ألم يحن الوقت لنصحو من «سكرة البترول»؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

تكلفة التعليم والكارثة (2-2)

مع اتفاقي التام مع ما ذكره الزميل محمد العجيري، فإنني إضافة الى ذلك أعتقد أن كارثة التعليم بدأت في منتصف ستينات القرن الماضي، عندما قرر خالد المسعود، وزير التربية وقتها، «تكويت» التعليم، ومن أجل ذلك قرر فتح معهد للمعلمين، ولتشجيع الانتماء له عرض منح المنتسبين له مكافأة مالية كبيرة، وهذا شجع المتردية والنطيحة، ومع قلة مخلصة، للانتماء للسلك، ولم يمر عقد حتى اكتشف الجميع مقدار الضرر الذي أصاب التعليم بشكل عام نتيجة سوء مخرجات المعهد، خصوصا بعد سيطرة تيار الإخوان المسلمين على العملية التربوية، نتيجة تواضع «قدرات مخرجات تلك المرحلة»، وما استمر بعدها من نجاح حركة الإخوان المسلمين ــ الفرع المحلي للتنظيم العالمي، في فرض المنتمين لهم في مرافق وزارة التربية، وبالذات في المناهج والمقررات! وهنا نجد مدى تجني الزميل الدويله على د. الخطيب عندما رد عليه بالقول إن غالبية وزراء التربية في الثلاثين سنة الماضية كانوا من التيار الليبرالي، وهذا طبعا غير صحيح، ولا يعني شيئا أساسا، فغالبية هؤلاء الوزراء «لم تسمح» لهم السلطة بالمساس بـ«مكتسبات الأحزاب الدينية»، كما يسعف الوقت غالبيتهم اصلا لإحداث اي تغييرات مهمة، هذا مع افتراض توافر النية والقدرة، أو الليبرالية المزعومة لديهم. وبالتالي نجد ان الحكومات المتعاقبة أهملت التعليم، إما بسبب عمق إيمانها بعدم أهميته، طالما توافر المال لحل كل معضلة ومشكلة، وإما لعدم رغبتها في إغضاب الجماعات الدينية، وفي كلتا الحالتين دفع الوطن والمواطن نتيجة ذلك، ونتائج الانتخابات الأخيرة خير دليل. ولأن حكوماتنا، لسبب معروف، «لا تقرأ» فقد فاتها أن جميع الأولويات والبرامج الانتخابية لعشرات الحكومات والأحزاب في الدول الشديدة التقدم تعطي التعليم الأهمية القصوى. ولو ولينا وجوهنا شطر المشرق، لوجدنا أن دولاً مثل الهند واليابان وكوريا وسنغافورة تدين بنهضتها الحديثة لنظامها التعليمي، وليس لأي شيء آخر! أما رجل الأمس المريض، تركيا أتاتورك، فقد طلبت من شركات أميركية تقديم عروضها لتوريد 15 مليون جهاز كمبيوتر صغير tablet devices لتوزيعها على طلبة المدارس، وهو أمر فشلنا في تحقيقه حتى الآن، على الرغم من أن حاجتنا لا تتجاوز %10 من حاجتهم، واحتياطياتنا النقدية تجاوزت الـ 300 مليار دولار، وهذه ستضيع حتما ان تولى «جيل فاشل دراسيا ومتخلف إداريا»، عملية إدارتها مستقبلا، وهذا ذكرني بقصة الطفل الأعرابي الذكي، الذي عرضوا عليه ألف دينار مقابل عقله فرفض، وعندما سألوه عن السبب قال: أخاف أن قلة عقلي تذهب بألف دينار (أو 300 مليار) فأبقى بلا عقل ولا ألف دينار!

أحمد الصراف

احمد الصراف

تكلفة التعليم.. والكارثة (2-1)

يقال: لكي تعرف تكلفة التعليم.. جرب الجهل!
تطرق الزميل محمد العجيري، رئيس «كونا» السابق، في مقال نشر في «الطليعة» لمشكلة التعليم في الكويت، معلقا على تحقيق القبس الذي بين عدم رضا %85 من المواطنين عن الخدمة التعليمية، وأن نتيجة الاستفتاء كانت حتمية بسبب تراكمات وتخبُّط إدارات متعاقبة فشلت في تطوير التعليم، بما تقتضيه روح العصر، على الرغم من توافر الكوادر والإمكانات المالية لدينا، بل إنها سلكت طريق تسييس التعليم، وإقصاء المخالفين وتقريب المريدين، بغض النظر عن مستواهم الفني، فتحوَّلت وزارة التربية إلى مرتع لقوى الإسلام السياسي. وقال إن تأثير هذه الجماعات مترسخ وظاهر بوضوح لمن يريد، فمحتوى المناهج اعتمد على أسلوب ضخ أفكار معينة ومدروسة لتوجيه النشء لاعتناق أيديولوجيات سياسية تحت غطاء تعليمي ظاهره ديني. فالفكر الذي تم الترويج له ذو اتجاه عقائدي محدد، يهدف إلى بناء جيل مهيأ وبطريقة ممنهجة لتبني هذا الفكر الديني الإقصائي. والخطير في الأمر أنه تمت، وبطريقة متقنة، محاربة الفكر الحر المنفتح الذي يرتكز على قبول الآخر، مهما اختلف معك فكريا. ومن تعوَّد منا فتح حوارات مع أبنائه، يجد أنهم يعودون من المدرسة بأفكار غريبة ومقلقة، فهم إما مرتبكون من معلومة تتناقض مع العقل وطريقة التفكير المنطقي، وإما أنهم يتحدثون بمنطق يجعلهم يزدرون عقيدة الآخر، وبالتالي تأخذهم الحيرة، وتتغيَّر نظرتهم إلى أصدقائهم المقربين، لأنهم على مذهب مخالف.
وحينما تحاول استيضاح الأمر، تجد هذا الفكر موجودا في كتاب الدين، أو ان المعلم ذكره خلال شرحه لدرس معين، وقد يكون غير مادة الدين!
وإذا تصفحنا محتوى الكتب المدرسية، نجد المقرر ممتلئا بالغيبيات التي لا تدع مجالا لإعمال الفكر والعقل وتنمية روح البحث والنقد، وإطلاق وتحفيز الطاقات الإبداعية للطلاب.
فعملية التلقين البائس واجترار المحتوى الإنشائي للكتب تربي جيلا من الخاملين فكريا ممن لا يمكن التعويل عليهم في عملية النهوض بالمجتمع.
وإلى مقال الغد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الكبيس والكبيسة

الكبيس، بلغة أهل الشام يعني المخلل أو الطرشي، وهي باختصار كلمة تعني تنقيع بعض أنواع الخضار في ماء وملح، أو خل. ولا اعرف ما علاقة الكلمة بالسنة الكبيسة، والتي تأتي مرة كل اربعة أعوام، وربما لأن الكبيس والكبيسة بحاجة الى الانتظار، وربما أتت الكلمة من عملية الكبس أو الضغط، التي يحتاجها المخلل ليتخلل!
شهر فبراير الماضي وقع في سنة كبيسة، وعدد ايامه 29 يوما، وليس 28 يوما كحال فبراير السنوات الثلاث الماضية والمقبلة. وسبب ذلك يعود إلى خلل حسابي تشكو منه كل التقاويم الشمسية، كالإيراني والجريجوري، المعتمد في كل دول العالم، عدا السعودية. ففي التقويم الجريجوري، وسمي نسبة لأحد باباوات روما، يضاف يوم كامل لشهر فبراير كل أربع سنوات من أجل التغطية على فوضى النظام، فدورة الأرض الكاملة حول الشمس تبلغ 24. 365 يوما، وليس 365 يوما، ولأن الفرق يقل عن يوم كامل، فإنه يجمع كل أربع سنوات ليضاف لشهر فبراير مرة كل 4 سنوات، واعتمد هذا الحل عندما تولى يوليوس قيصر حكم روما، حيث كان الناس يتبعون تقويما عدد ايامه 355 يوما، مع إضافة شهر جديد كل سنتين تبلغ أيامه 22 يوما! وعندما تسبب هذا الترتيب في مشاكل عدة تتعلق بالمواسم الزراعية والأعياد، كما هو حاصل الآن في التقويم القمري، طلب يوليوس من كبير فلكييه تبسيط الأمور، فثبت هؤلاء السنة على أساس 365 يوما مع يوم كامل، هو حاصل تجميع الساعات الضائعة كل أربعة أعوام، يضاف لشهر فبراير. وكان فبراير في الأساس يتكون من 30 يوما، وفي السنة الكبيسة يصبح 31 يوما، ولهذه القاعدة استثناءاتها، فمع أن الكبيسة تأتي كل أربع سنوات، إلا أن السنة التي تقسم على 100، بدون كسور، ولا تقبل القسمة على400 ليست كبيسة، وبالتالي سنة 2000 كانت كبيسة، وكذا 1600، ولكن سنتي 1700 و1900، وغيرهما، لم تكونا كبيسة، وسبب ذلك أن الطول الحقيقي للسنة الشمسية هو 365 يوما و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، ولذا عند وضع التقويم الجريجوري عام 1582، وجدوا أن من الضروري عدم احتساب ثلاثة أيام كل 400 عام.
والطريف أن جميع اشهر العام تتكون إما من 30 وإما من 31 يوما، فلماذا شذ فبراير عنها؟ سبب ذلك يعود للإمبراطور الروماني أغسطس، الذي لاحظ أن الشهر الذي سمي باسم سلفه، يوليوس قيصر، يحتوي على 31 يوما، بينما الشهر الذي اطلق عليه اسمه يتكون من 29 يوما، فقام بكل بساطة بأخذ يومين من شهر فبراير وأضافهما لشهر أغسطس! وهذا سبب وجود شهرين متتاليين بعدد الأيام نفسه.

أحمد الصراف

احمد الصراف

وضحك التنمية كالبكاء

اعتقد أن البعض سيكتفي من مقالي هذا بعنوانه، بعد أن سئم كثيرون من تكرار قراءة وسماع كلمة تنمية، وبعد أن فشلنا في تحقيق أي تقدم ملموس، وضاعت فرص كثيرة مع وجود كل هذه الطاقات البشرية المعطلة والثروات النقدية المكدسة، ويحدث ذلك بسبب غياب الرؤية، والعجز الواضح في آلية اتخاذ القرار، والتناحر السياسي بين مختلف القوى، وقد رأينا كيف تعامل الوزراء مع خطة التنمية، فأكثرهم سلطة وقدرة نالت منه طموحاته المالية والسياسية، وأبعدته عن الخطة وفلسفتها، أما قبل آخرهم فربما كان الأفضل للتصدي للتنفيذ، ولكن الفساد السياسي أجبره على الاستقالة مبكرا، وربما رحل بعد اكتشافه لصعوبة تحقيق امر جدي في ظل اللاسياسات! ثم جاء الوزير الحالي، وامتلك قدرا من الشجاعة ليعترف أن هناك اخفاقات وهفوات، ولكنه وقف عند هذا الحد. وفي تصريح له على هامش ورشة عمل سبل تعزيز مستويات الإنجاز، (القبس 7/3)، أورد «الغرائب» التالية: أولا، أنه ينتظر أن يقر مجلس الأمة خطة التنمية الثانية، قبل نهاية السنة! يعني يأمل في إقرار، وليس تنفيذ اي جزء منها، بعد تسعة اشهر! وقال إن الرغبة «جامحة» لدى الجهات الحكومية لتنفيذ الخطة! ويا ليته استعمل كلمة أخف من «جامحة»، فهذه «قوية وايد». وقال إن البناء الأساسي في الخطة يعتمد على بناء الإنسان، وليس الإنشاءات! وهنا أريد منه، ومن زملائه دليلا واحدا على إيمان اي منهم بصحة هذا الكلام! فالحكومة «يا دوب» تلحق على حل قضايا الإضرابات ودفع الرواتب، ومراجعة الكوادر، وتعديلها بالزيادة، وزيادتها بالتعديل، وإعادة النظر في أجور العاملين في العام والخاص، وتعديل ما عدل منها قبل التعديل السابق للتعديل الأخير، ومواكبة الزيادات المطلوبة، والتأكد من أنها تتماشى مع خطة تعديل هيكلية الرواتب والزيادات والمنح!
أما الأمين المساعد للتخطيط، حمد مناور، فقد شرح، على هامش الورشة نفسها، آليات وضع خطط التنمية، وأن هناك 14 مرحلة سيتم تنفيذها في المتابعة مع الجهات المعنية، وأن الخطوة الأولى تكمن في مراجعة وتقييم «نماذج» المشروعات، والتنسيق مع الجهات الرئيسية للمشاركة في «إعداد النماذج»، وعقد الاجتماعات التحضيرية، ثم التنسيق مع الإدارة المختصة لإدخال البيانات آليا في «الفترة المقبلة! يعني لانزال في مرحلة الدراسة ووضع الخطط والمراجعة ووضع النماذج وإدخال البيانات، وكل ذلك في الفترة المقبلة، التي قد تطول إلى الأبد، علما بأننا سمعنا من أكثر من وزير أن نسباً عالية من الخطة قد تم الانتهاء منها! أما الأمين المساعد الآخر في التخطيط يحيى العقيلي، فقد كان أكثر وضوحا وصدقا، حيث قال إنه رصد 1419 معوقا واجهت الخطة خلال «فترة التنفيذ»، وان «بعض» الجهات جاوزت المشكلات عبر 1023 مقترحا! وأن اكبر المعوقات تعلق بطول الدورة المستندية! وهنا أعتقد أنه من الأفضل لنا كدولة التركيز على كسر الأرقام القياسية العالمية في الفوز بمسابقات أجمل النوق والماعز، وأكثر بلد يحقق وفيات من حوادث السيارات، والبقاء لأطول فترة في ذيل قائمة الدول النفطية المتخلفة، وتسجيل أكبر عدد في حالات الضرب بالسكين نتيجة «الخز والخز المضاد»، فهذه أسهل بكثير من مسؤولية التصدي لخطة «تخب علينا»!

أحمد الصراف

احمد الصراف

التعليم.. التعليم والتعليم

جلس الضيوف، بعد انتهاء العشاء، يتبادلون الحديث، فالتفت رئيس شركة كبيرة إلى معلمة مدرسة، وكان الحديث قد اتجه إلى مستوى مخرجات المدارس، وقال لها: لا أدري ما الذي يمكن أن يتعلمه طفل من شخص وجد ان أفضل خياراته في الحياة هو أن يصبح مدرسا؟! وأنت يا سيدتي كم تكسبين من عملك؟ فنظرت إليه هذه بهدوء وقالت: حسنا، دعني أخبرك، أنا أجعل الطفل يعمل بأكثر مما يعتقد أن بإمكانه القيام به، وأنا أجعل طلبتي يجلسون وينصتون إلي لأربعين دقيقة أو أكثر في الوقت الذي ليس بإمكان والديهم دفعهم للجلوس لخمس دقائق من دون حركة، وأن يبقوا لساعات بغير هاتف نقال أو «آيباد»، أو لعبة إلكترونية، أو مشاهدة صور متحركة أو فيلم سخيف لا يصلح لأعمارهم. وتريد أيضا أن تعرف كم أكسب؟ أنا أكسب من دفع الأطفال إلى أن يتساءلوا بطرح الأسئلة، وان يعتذروا، بصدق، إن أخطأوا، وأن يحترموا غيرهم، وأن يتحملوا المسؤولية في واجباتهم وتصرفاتهم. كما أعلمهم الكتابة من غير لوحة مفاتيح، وأعلمهم القراءة والقراءة والقراءة، وأن يستخدموا عقولهم في الرياضيات من دون آلة حاسبة، وأسعى إلى أن أجعل فصلي مكانا آمنا، وأن أجعلهم يدركون أنهم إن نجحوا في الاستفادة من قدراتهم وامكاناتهم، وعملوا بإخلاص، فإنهم حتما سيحققون النجاح. وهنا سكتت المدرسة لبرهة وأكملت: وعندما يحاول البعض الحكم عليَّ من خلال ما أكسبه من مال، وأنا التي لا أعتقد أن المال هو كل شيء في الحياة، فإنني أرفع رأسي عاليا، ولا ألتفت إلى ما يقال، لأنه كلام جهلة، وإن كنت مصرا يا سيدي على معرفة ما أكسب، فإنني أكسب من إحداث الفرق في حياتكم جميعا، فأنا التي أعدّكم لأن تصبحوا رؤساء شركات ورجال أعمال ناجحين وأطباء ومهندسين مميزين!
وهنا خيم الصمت على الجميع، ولم ينبس مدير الشركة الكبيرة بحرف!
ولو قام وفد صحفي من القبس بطلب الاجتماع بشريحة عشوائية من أعضاء جمعية المعلمين في مبناهم، والاستماع إلى أفكارهم عن كيفية تطوير التعليم ورفع شأنه، فما الذي سيسمعه من الغالبية، وهذا ما جربته شخصيا في أكثر من لقاء: زيدوا رواتبنا وشوفوا شنسوي! وسيصدم الوفد أيضا من حالة فوضى المرور حول وداخل مبنى الجمعية، ومخالفته لكل القواعد، وسيتساءل عن الكيفية التي يمكن فيها لمن لا يعرف النظام أن يعلم ابناءنا النظام!

***
• ملاحظة:
كعادتنا كل شهر، فإننا سنتغيب عن البلاد والغبار لفترة ثلاثة اسابيع بين أمطار ماليزيا، أما المقالات فسيستمر هطولها!

أحمد الصراف