جاء في صحيفة أوان الإلكترونية أن مجموعة من المحامين والكتاب بصدد تأسيس لجنة للدفاع عن حرية التعبير، وجاء في بيان التأسيس "… إن مناصرتنا وتضامننا مع الكاتب الجاسم لا تأتي نصرة لشخصه، بقدر ما ننطلق من واجبنا الوطني في الدفاع عن الحريات، والاعتراض على أسلوب الملاحقة السياسية الذي تستخدم فيه ذرائع قانونية"، وكان هذا أكثر ما يهمني من بيان اللجنة، فكثرة الدعاوى الجزائية والمدنية المرفوعة على الزميل الجاسم، وفداحة مبلغ الكفالات المالية تصلح أن تكون مناسبة والظرف الزماني لخلق مثل هذه اللجنة، لكنها لا يصح أن تكون مبرراً لديمومتها، فالقضية ليست هي الجاسم ولا غيره، وإنما هي مبدأ حرية التعبير وإقامة الحدود الفاصلة بين حق النقد للموظف العام وجرائم السب والقذف، وإذا كانت أحكام المحاكم تفصل وتقيم الحدود بينها فإن منطقة الظلال واللون الرمادي بين الأمرين تتغير من وقت لآخر حسب اجتهادات المحاكم والفقهاء، وحسب الظروف السياسية التي أملتها من مكانة الشاكي أو وقتها الزمني أو وضع الدولة على سلم التقدم والديمقراطية والحريات.
وحكمت مرة محكمة النقض المصرية "… كان يمكن أن يكون القذف مباحاً حتى ولو استعمل فيه قوارص الكلم مادام النقد بناء وتتحقق فيه المصلحة العامة للمجتمع، ويرجع ذلك إلى دور الموظف العام أو الشخص ذي الصفة النيابية. إذ ترجع علة ذلك إلى أهمية دور الموظف العام أو من في حكمه، ومن المصلحة العامة وضعهم تحت الرقابة الصحافية، وذلك لمنع وجود انحرافات أو فساد في أعمال الموظف العام أو من في حكمه".
مهمة هذه اللجنة لا يجوز أن تكون ردود أفعال على قضية ضد ناقد أو كاتب، بل يجب أن تضع قضيتها الكبرى هي نصوص "دراكو" المبثوثة في قانون الجزاء وقانون المطبوعات والنشر الأخير… مهمة اللجنة أن تكون فعلاً مبادراً لا ردود فعل، فكما لدينا نصوص قانونية تنهش من حق النقد وتنتقص من حرية التعبير، لدينا ممارسات وواقع متخلف معشش في مؤسسات الدولة والمجتمع، فهناك قوى التزمت الديني ومحتسبة القرن الواحد والعشرين حين يهرولون إلى غرف النيابة العامة، وكأن لديهم تفويضاً إلهياً بكتم كل نفس يتحرك خارج أغلال النص… ولدينا تخلف اجتماعي كبير لا يقيم وزناً للفكر، لا يدرك معنى حرية العقل… ولدينا سطوة أصحاب رأس المال وسادة النفوذ السياســـي حين يهيمنــون علــى دور النشر ويوظفون مرتزقة الكلمة كـ "زلمات" تمجد بطولاتهم الزائفة وتمسح الجوخ لسيادتهم… لدينا الكثير والكثير في هذا الزمن الأغبر… هو زمن شراء الذمم وتجميل وجوه الفساد القبيحة… وكم نحن في حاجة إلى قلة من الأحرار… تعرف أن تقول كلمة "لا" كبيرة في خضم تيار الضياع.