كيف نكون إذاً بعد كل هذه الجهود المتواصلة في “التخزيم”؟ مجتمع ديمقراطي مؤسساتي مدني إنساني؟ يا لكم من حالمين، هل بقي ممن بلعوا “طعوم” التحول إلى فسطاط الديمقراطية المثالية من يصدق أن المستهدف خلال المرحلة الحالية هم فقط مصادر “الغوغائية” التي توارت منذ عدة سنوات، ولم يبق على الساحة غير صوت ولون واحد؟
اصحوا قليلاً واقشعوا من أمام أنظاركم غمام الكراهية لأحلاف اندثرت وقامات هوت وبالونات “فرقعت”، وقيسوا مساحة الحركة من حولكم لتجدوا أن الحبل لفّ على الجميع ولم يستثنِ أحداً، قوانين وأفكار مقيدة ينطق بها صغار القوم ثم فجأة تتحول إلى واقع قريب التحقق، تستهدف الحركة الخاصة والرأي المستقل والكلمة الحرة.
قلتم ماذا؟ ديمقراطية تخلو من الرجعيين والأصوات “الماضوية”، أقول “خير إن شاء الله”، التغريدة تسجنكم، وتفسير الرقيب يسجنكم، والزعل يطيح “جناسيكم”، وندوة “توديكم” قاعة التشريفات أو “أمن الدولة”، تشتكون من مسرحيات طارق العلي والرقابة تسبغ الحصانة على بشت الوزير لا الوزير نفسه، وتغير العنوان لــ”بشت المدير”، تنوحون من تفشي الفكر المتطرف وبوابات الكويت مغلقة بوجه مفكر تنويري كان سيلقي محاضرة واحدة على جمهور مهما كثر فهو قليل، أبشركم الرجعية على حالها والمنع على حاله والأمر تحت هيمنة الرعاة الحقيقيين للتخلف.
أكرر سؤالي: وكيف نكون إذاً بعد كل هذه الجهود المتواصلة في “التخزيم”؟ ها هو المجتمع المدني بمؤسساته الهادئة والطيبة والطيعة والخاملة والمطبلة والمداهنة والغارقة في عذر خدمة التخصص لم تسلم من النهم الحكومي نحو التسلط، الحكومة ممثلة بوزارة الشؤون تريد وضع مفاهيم جديدة للفلسفة التي تقوم عليها المؤسسات الأهلية غير الربحية التي تسبح في الفضاء الوسيط بين تطلعات الناس وهمومهم المطلبية وبين العمل الحكومي الرسمي.
الحكومة ووزارة شؤون جمعيات الطلبة أو جمعيات النفع العام لا فرق، تريد تشويه حق الانتخاب بحق التعيين الجزئي وكأن جمعيات النفع العام جمعيات تعاونية تدير أموال المساهمين ولا بد من الرقابة عليها، وتسعى إلى “رسمنة” العمل الأهلي كي يفقد مصداقيته التي ميزت الكويت عن جمعيات “التعيين” السلطوية، تلك المؤسسات دعمت قضية الكويت أيام الغزو العراقي أمام الرأي العام الغربي الذي لا يصدق كلام الحكومات، وللعلم هذه الحاجة لم ولن تنتهي لأن الجغرافيا ثابتة.
الحكومة تريد تعميم نظام الصوت الواحد وكأنه وصفة سحرية لفكرة تمثيل الجميع وكسر الاحتكار، هذا النهج مضحك مع شرائح تقوم على التخصص الواحد أو الهم العام المشترك، فكروا قليلا: الأطباء والمهندسون والمحامون والخريجون والطيارون والأدباء …إلخ، هؤلاء بالأساس خليط من مشارب عدة ومجال عملهم هو نسبهم الذي أدخلهم إلى كيان هذه الجمعية أو تلك الرابطة، والتسبيب السياسي والسياق التاريخي للأحداث لا علاقة له بما حصل ويحصل على الساحة السياسية من صراعات.
في الختام نقول، الحكومة بتوجهها الجديد نحو تقزيم و”رسمنة” جمعيات النفع العام، تعمد إلى تحويل مؤسسات المجتمع المدني إلى مؤسسات مجتمع “أمني” تنسجم مع مرحلة “التخزيم” الديمقراطي التي ستأخذ بالمناسبة في طريقها جمعيتي إحياء التراث الإسلامي والثقافة الاجتماعية، فهل ذلك يعني تحولا في الموقف الحكومي ضد “سلف الوكالة” وشيعة التحالف الإسلامي؟